وأما الإمبراطورة المسنة فقد استمعت إلى أفكار ابنها الثورية في ذعر. وصارحته برأيها:
"إن أهم مبادئك السياسية هي: ١ - إطلاق الحرية في ممارسة الدين، وهو ما لا يستطيع ملك أو أمير كاثوليكي السماح به دون أن يتحمل تبعة ثقيلة. ٢ - القضاء على طبقة النبلاء القنية … ٣ - الدفاع عن الحرية في كل شيء وهو مبدأ يتردد كثيراً جداً … أنني بلغت من الشيخوخة حداً لا يستطيع معه تقبل أفكار كهذه، وأسأل الله ألا يجربها خلفي أبداً. أن التسامح الديني، وعدم الاكتراث واللامبالاة هما بالضبط يكبح الجماح؟ لا ضابط ولا المشنقة ولا دولاب التعذيب .. إنني أتكلم سياسياً لا كمسيحية. فما من شيء ألزم وأنفع من الدين. أتريد السماح لكل إنسان بأن يسلك على هواه؟ وإذا لم يكن هناك عادة ثابتة، وخضوع للكنيسة، فأين ترانا نكون؟ ستكون النتيجة قانون القوة … ليس لي من أمنية إلا أن أستطيع حين أموت الانضمام إلى أسلافي متعرية بأن ابني سيكون عظيماً تقياً كأجداده، وأنه سيقلع عن حججه الباطلة، وعن الكتب الشريرة، وعن الاتصال بأولئك الذين أغووا روحه على حساب كل شيء ثمين مقدس، لا لشيء إلا لإقامة حرية موهوبة لا يمكن .. أن تفضي لغير الخراب الشامل (٤٢) ".
ولكن إذا كان ثمة شيء يتوق إليه يوزف فهو حرية الدين. ربما لم يكن ملحداً كما خاله بعضهم (٤٣)، ولكنه كان قد تأثر تأثيراً عميقاً بأدب فرنسا. وكانت جماعة من رجال الفكر النمساويين وقد ألفت فعلاً في ١٧٧٢ حزب التنوير (٤٤). وفي ١٧٧٢ نشر جورجي بيسينيي المجري في فيينا مسرحية تردد أفكار فولتير، وقد قبل الدخول في الكاثوليكية إرضاء لماريا تريزا، ولكنه ارتد إلى العقلانية بعد موتها (٤٥). ولا ريب أن يوزف كان على علم بهذا الكتاب المشهور المسمى "الوضع الكنسي والقانوني لبابا روما"(١٧٦٣)، الذي أكد فيه أسقف كاثوليكي بارز تخفى تحت اسم فيرونيوس، من جديد سمو المجامع