وليقوي الروابط التي ربطت ربطاً واهياً جداً بين الأعداء القدامى في حلفهما الهش. فلما مات لويس الخامس عشر، وبدا أن فرنسا على شفا التمزق، كتب يوزف إلى ليبوبولد يقول:"أنني قلق على أختي فسيكون عليها أن تلعب دوراً شاقاً (٥٠) ". ووصل باريس في ١٨ إبريل ١٧٧٧، وحاول أن يتكتم زيارته فتخفى تحت اسم الكونت فون فلكشتين وأشار على الملكة الشابة المرحة بأن تقلع عن الإسراف والطيش، وصبغ وجنتيها وشفتيها، وأصغت إليه في ضجر. وحاول ولكنه فشل في كسب لويس السادس عشر إلى حلف سري لكبح توسع روسيا (٥١). وتحرك بسرعة في أرجاء العاصمة و"لم تمضِ أيام حتى عرف عنها أكثر مما سيعرف لويس السادس عشر طوال حياته (٥٢) ". وزار الأوتيل ديو ولم يخف دهشته لسوء الإدارة غير الإنسانية لذلك المستشفى. وفتن أهل باريس، وذعرت حاشية فرساي، حين وجدت أرفع ملوك أوربا يمشي في زي مواطن بسيط، يتكلم الفرنسية كأحد أبنائها. ويلتقي بجميع الطبقات دون تكلف. أما عن نجوم الأدب فقد التمس أولاً لقاء روسو ويوفون. وحضر أمسية عند مدام نكير، والتقى بجبون، ومارمونتيل، والمركيزة دودفان، ومما يشرفه أن رباطة جأشها وشهرتها أربكتاه أكثر مما أربكها مقامه الرفيع، فالعمى يسوي بين الناس لأن الشالات يتكون نصفها من الثياب. وحضر جلسة لبرلمان باريس وأخرى للأكاديمية الفرنسية. وأحس الفلاسفة أنهم وجدوا في النهاية الحاكم المستنير الذي تطلعوا إليه أداة لثورة سليمة. وبعد أن قضى يوزف شهراً في باريس تركها في جولة بالأقاليم فسافر شمالاً إلى نورمندية، ثم على الساحل الغربي إلى بايون، ثم تولوز، فمونيليه فمرسليا، ثم صعد مع الرين إلى ليون وشرق إلى جنيف. ومر بفرنيه دون أن يزور فولتير، إذ لم يشأ أن يغضب أمه أو يرتبط جهاراً برجل يخاله الشعب النمساوي والملك الفرنسي شيطاناً مجسماً.
وكان حريصاً على استرضاء أمه، لأن عشرة آلاف مورافي هجروا