أكسفورد .. وتذكرنا حركتها البطيئة الجميلة بالأغنية الشعبية الإنجليزية القديمة "لورد راندول".
ولقد أتيح لهايدن أن يستمتع بمشهد الريف الإنجليزي الذي رأى فيه تمجيداً سماوياً للنبات والمطر، لذلك قبل مغتبطاً عقب عودته إلى لندن دعوات لبيوت ريفية. وهناك وفي لندن كسب الكثير من الأصدقاء بترحيبه بالعزف والغناء في حفلات خاصة. واتخذ له تلاميذ متقدمين في الموسيقى ليعلمهم التأليف، ومن بينهم أرملة وسيمة غنية تدعى يوهانا شروتر. ومع أنه كان في الستين، فأن هالة شهرته أدارت رأسها فعرضت عليه حبها. وقد ذكر هذا الحديث فيما بعد فقال "أغلب الظن أنني كنت متزوجها لو كنت عزباً"(٣٧). وفي غضون هذا كانت زوجته تلح عليه في العودة. وفي خطاب أرسله إلى لويجا بولتسيللي قال متذمراً (إن زوجتي -الوحش الجهنمي-كتبت لي أشياء بلغت من الكثرة ما أكرهني على الجواب بأنني لن أعود أبداً)(٣٨).
وراح يشتغل بهمة رغم ما أثقل ضميره وجيبه من النسوة الثلاث، فألف الآن ستاً (رقم ٩٣ - ٩٨) من سمفونياته اللندنية الأثنتي عشرة. ونرى فيها تطوراً ملحوظاً من إنتاجه في إيزتشتات واسترهاتسي. ولعل سمفونيات موتسارت قد شحذت فنه، أو لعل احتفاء إنجلترا به قد اخرج خير ما فيه، أو لعل استماعه إلى هندل حرك فيه أعماقاً لم تمسها بيئته الساكنة الهادئة في ربى المجر، أو لعل علاقاته الغرامية قد رفعته إلى العواطف الرقيقة كما بعثت فيه الفرحة البسيطة. وشق عليه إن يبرح إنجلترا؛ ولكنه كان مرتبطاً يعقد مع الأمير أنطون استرهاتسي الذي أصر الآن على عودة هايدن ليشارك في المهرجانات الممهدة لتتوج الإمبراطور فرانسيس الثاني. ومن ثم نراه يقتحم المانش ثانية في أواخر يونيو ١٧٩٢، وينتقل من كاليه إلى بروكسل إلى بون، ويلتقي ببيتهوفن (الذي كان آنئذ في الثانية والعشرين)، ويحضر التتويج في فرانكفورت، ثم يصل إلى فيينا في ٢٦ يونيو.