ولم تشر صحيفة واحدة إلى عودته، ولا نظمت له حفلات موسيقية، ولا حفل به البلاط. ولو كان موتسارت موجودا لاحتفى بمقدمه، ولكن موتسارت كان قد قضى. وكتب هايدن إلى أرملته، وتطوع بإعطاء دروس مجانية لابنه؛ وحث الناشرين على طبع المزيد من موسيقى موتسارت. ثم ذهب ليعيش مع زوجته في المنزل المحتفظ به الآن متحفاً لهايدن (هايدن-جاسي ١٩). وأرادته الزوجة أن يكتب لها البيت فرفض. وازدادت مشاجراته معها حدة. وقدم بيتهوفن في ديسمبر ١٧٩٢، ليدرس عليه. ولكن العبقريين لم ينسجما معاً، فقد كان بيتهوفن متكبراً مسيطراً، وكان هايدن يلقبه "المغولي الأكبر"(٣٩). وقد شغله استغراقه في عمله هو عن تصحيح تمرينات تلميذه بأمانة، ووجد بيتهوفن سراً معلماً آخر، ولكنه واصل تلقي الدروس عن هايدن. فقال الجبار الصغير "لم أتعلم منه شيئاً (٤٠) "، ومع ذلك فكثير من قطعه الأولى تنهج نهج هايدن، وقد أدهى بعضها لمعلمه الشيخ.
وازداد تقدير القوم لهايدن في النمسا وفي روراو، فأقام الكونت فون هاراخ في روراو، عام ١٧٩٢، تمثالاً لابن البلدة الذي غداً الآن ذائع الصيت، ولكن ذكرى انتصاراته وصداقاته في إنجلترا كانت لا تزال حارة، ومن ثم لم يتردد الموسيقى في الموافقة على العرض الثاني الذي قدمه لم سالومون بالذهاب إلى لندن وتكلفه كتابة ست سمفونيات جديدة. فغادر فيينا في ١٩ يناير ١٧٩٤ ووصل إلى لندن في ٤ فبراير. وكانت إقامته هذه التي امتدت ثمانية عشر شهراً في إنجلترا نصراً مؤزراً شدد عزمه كنصره الأول. وظفرت المجموعة الثانية من "السمفونيات اللندنية"(أرقام ٩٩ - ١٠٤) باستقبال طيب، وخرج هايدن من حفلة أحييت لصالحه بدخل صافي قدره ٤٠٠ جنيه. وكان تلاميذه يدفعون له جنيهاً إنجليزياً في الدرس، وكانت السيدة شروتر تسكن بقربة، وعاد الأثير المقرب للطبقة الأرستقراطية، فاستقبله الملك وأعداء الملك على السواء، وأمير ويلز، وعرضت عليه الملكة مسكناً في ونزر طوال الصيف إذا أطال مقامه في إنجلترا موسماً آخر. ولكنه اعتذر بأن