الحصول على نسخ من هذا الكورال الأشهر المكتوب لأربعة أصوات أو خمسة أو تسعة، فأصغى إليه موتسارت مرتين ثم كتبه من الذاكرة. ومكثا في روما أربعة أسابيع، وأحييا حفلات موسيقية في بيوت النبلاء مدنيين وكنسيين. وفي ٨ مايو انطلقا في رحلتهما إلى نابلي. وكان الطريق خطراً لانتشار اللصوص فيه، فسافر موتسارت وأبوه مع أربعة رهبان أوغسطينين لينالا الحماية الدينية أو يظفرا بتناول القربان قبل الموت في هذه الضرورة الملحة. واستبقتهما نابلي شهراً بأكمله لأن النبلاء ابتداء من تانوتشي فتازلا دعوهما لأمسيات ووضعوا كل أسباب الترف تحت تصرفهما. فلما عزف فولفجانج في "الكونسر فاتوريو ديللا بييتا" غزا الجمهور المؤمن بالخرافات براعته لضرب من السحر كامن في خاتم يلبسه. وأدهشهم أنه واصل العزف بالبراعة ذاتها بعد أن خلع خاتمه.
وبعد أن استمتعا بالمقام في روما مرة أخرى عبرا الأبنين ليصليا للعذراء في كنيستها "سانتا كازا" بلوريتا، ثم اتجها شمالاً لينفقا ثلاثة أشهر في بولونيا. وكان موتسارت يتلقى كل يوم تقريباً دروساً من بادري مارتيني في أسرار التأليف الموسيقي. ثم تقدم لاختبار القبول في "الأكاديميا فيلارمونيكا"، فأعطى قطعة من ترنيمة بسيطة جريجورية، طلب إليه أن يضيف إليها وهو محبوس وحده في حجرة نوتات عليا ثلاثاً بالأسلوب التقليدي الدقيق " Stile Osserrato" وأخفق في المحاولة، ولكن البادري الطيب صحح إجابته، وقبل المحلفون الصورة المنقحة "نظراً إلى الظروف الخاصة"-ربما لصغر سن موتسارت.
وفي ١٨ أكتوبر كان الوالد والولد في ميلان. هناك حقق فولفجانج أول انتصاراته مؤلفاً موسيقياً، ولكن بعد الجهد الجهيد والمعاناة الكثيرة وكان موضوع الأوبرا التي كلف بها "مترداتي، ملك بنطس"، وقد اخذ النص من راسين. وراح الفتى الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة يكد ويكدح تأليفاً وعزفاً وتنقيحاً حتى كلت أصابعه واستحالت حماسته ضرباً من الحمى، فاضطره أبوه إلى أن يحدد ساعات عمله ويهدئ من اضطرابه بنزهة على