كريماً سمح النفس، فشارك في الثناء على موتسارت، وفاه بنبوءة مشهورة "إن هذا الفتى سيلقينا كلنا في زوايا النسيان"(١٣).
وعاد الوالد والولد إلى سالزبورج (١١ ديسمبر ١٧٧١). وبعد خمسة أيام مات زجسموند الطيب. وكان خلفه في رئاسة الأسقفية، وهو هيرونيموس فون باولا، كونت كوللوريدو رجلاً عقلاني الثقافة، معجباً بروسو وفولتير، مستبداً مستنيراً يتوق إلى تنفيذ الإصلاحات التي كان يعدها يوزف الثاني. ولكنه فاق حتى يوزف في استبداده مع استنارته، فكان يشترط الانضباط والطاعة ولا يطيق المعرضة. ولم يقنع من موتسارت إسهاماً في حفل تنصيبه في ٢٩ إبريل ١٧٧٢ بأقل من أوبرا يؤلفها لهذه المناسبة. واستجاب الفتى الذي ذاع صيته سريعاً بأوبرا "حلم سكيبيو"، وقد وفت بالغرض منها ثم نسيت. واغتفرها كوللوريدو، وعين فولفجانج لفرقة الموسيقى براتب سنوي قدره ١٥٠ فلوريناً. وعكف الفتى شهوراً على تأليف السمفونيات الرباعية والموسيقى الدينية، ولكنه أكب أيضاً على أوبرا "لوتشيو سيللا" التي طلبتها ميلان لتعرض في ١٧٧٣.
ولم يحل ٤ نوفمبر ١٧٧٢ حتى كان ليوبولد وصانع ثروته في عاصمة لومبارديا مرة أخرى، وراح فولف بعد قليل يكدح ويكدح ليوفق بين أفكاره الموسيقية ونزوات المغنين وقدراتهم. وبدأت مغنية الأوبرا الأولى "البريمادونا" بالغطرسة والبرم بكل شيء، وكان "المايسترينو" صبوراً طويل الأناة معها، وانتهت بحبه وصرحت بأنها "قد متنتها المعاملة الفذة التي عاملها بها موتسارت"(١٤). ولم تلق حفلة الافتتاح (٢٦ فبراير ١٧٧٢) النجاح الأكيد الذي لقيته "متريداتي" قبل عامين، فقد مرض المغني التينور أثناء البروفات، واقتضى الأمر إحلال مغن آخر محله لم يكن له سابق خبرة على خشبة المسرح، ومع ذلك احتملت الأوبرا تسعة عشر عرضاً. وكانت موسيقاها صعبة، والأغاني منشودة بالانفعالات فوق ما ينبغي. ولعل أثراً من الحركة الأدبية الألمانية المسماة