المدرسية، وبنوا الكنائس والمستشفيات والأكواخ النموذجية. ثم جلبوا إلى ضيعتهم وقصرهم في بولافي (قرب لوبلين) معلمين ودارسين دربوا الشباب أياً كانت طبقتهم، على خدمة الدولة. أما من الناحية السياسية فإن الأسرة عارضت حق النقض المطلق لأنه من شأنه أن يجعل الحكم الفعال ضرباً من المحال. واتحدت ضدهم أسر كثيرة شعرت بأن حق النقض هو حاميها الأوحد من الأوتقراطية الممركزة. وكان أقواها أسرة بوتوكي، وزعيمها الأمير فيلكس بوتوكي، الذي كان في استطاعته أن يركب ثلاثين ميلاً في اتجاه واحد دون أن يجاوز أرضه-ثلاثة ملايين من الأفدنة في أوكرانيا.
أما الصناعة والتجارة، اللتان شاركتا في القرن السادس عشر في جعل بولندة قطراً عظيماً وفي إثراء مدنها، فقد عطلتهما خصومة ملاك الأرض ومجلسهم النيابي المطيع. فكانت مدن كثيرة بأسرها تقع في نطاق الملكية الخاصة لقطب من الأعيان آثر الزراعة على الصناعة مخافة أن تنشأ طبقة وسطى مستقلة. وكانت منافسة الحرف اليدوية التي ينتجها الأقنان في الضياع قد جرت الكساد على مهرة الصناع في المدن. كتب انطوني بوتوكي في ١٧٤٤ يقول "إن خراب المدن ظاهر للعيان حتى أن كبرياتها في الدولة-باستثناء وارسو دون غيرها-أشبه بأوكار اللصوص"(٦). ففي مدينة لفوف مثلاً كثر النجيل في الشوارع، وأصبحت بعض ميادينها حقولاً مفتوحاً، ومدينة كاراكاو التي كانت يوماً ما من أعظم المراكز الثقافية في أوربا هبط عدد سكانها إلى تسعة آلاف، وعدد الطلاب في جامعتها الشهيرة إلى ستمائة (٧).
ويرجع بعض ما أصاب المدن من انحلال إلى عودة الكاثوليك إلى غزو بولندة. فقد كان كثير من البروتستنت المطرودين تجاراً أو صناعاً مهرة، وقد ترك تقلص عددهم في جميع أرجاء بولندة إلا غربيها (حيث بقي ألمان كثيرون) للمسرح البولندي لملاك الأرض، وكان هؤلاء من الكاثوليك الرومان، أو في الشرق من الروم الأرثوذكس أو الموحدين (وهم كاثوليك يمارسون الطقوس الشرقية ولكنهم يعترفون بابا روما).