للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منذ أمس الأول. (وكانت أمه ميتة) لم يكن في تاريخنا كله انتخاب بهذا الهدوء وهذا الإجماع .. وكانت كل كبريات نبيلات المملكة حاضرات في ساحة الانتخاب وسط أفواج النبلاء … وسرني أن تنادي بي أصوات جميع النساء كأصوات جميع الرجال … فلم لم تكوني هناك؟ إذن لانتخبت ابنك" (٢٠).

وقد رأينا كيف اقتحمت "ماما" طرق أوربا لتزور "ابنها" في قصره بوارسو (١٧٦٦). وإذ لم يكن لديها مفهوم واقعي عن الفجوة التي تفصل بين الحضارتين الفرنسية والبولندية، فقد تاقت نفسها إلى أن تراه يرفع بولندة في عام واحد ما يقتضي رفعه قرناً، وأصبحت مشورتها مصدر إزعاج له، وكدرت محبة بونياتوفسكي البنوية لها؛ فتنفس الصعداء حين رحلت، وإن هدأها بالمجاملات وبصورة لشخصه في إطار مرصع بالماس. واحتفظت بالصورة ولكنها ردت الماس. فلما نأت عنه عاودها حبها له في كل حرارته، وكتبت له من فيينا تؤكد له "المحبة التي هي ضرورة من ضرورات حياتي" (٢١).

وبذل ستانسلاس ما وسعه من جهد. فانقطع لمهام الحكم خلال هذه السنوات الأولى بشعور الحاكم المخلص لواجبه. فكان يحضر كل يوم مداولات وزرائه، ويعكف إلى ساعة متأخرة من الليل على مشكلات اضطلع ببحثها في تفصيل شديد التدقيق. وقد وفق إلى حد كبير في تدريب فيلق من الموظفين المدنيين ذوي الكفاية الفائقة والنزاهة المذهلة (٢٢). ثم فتح بابه لمن يريد لقاءه، وسحر الجميع بلطفه، ولم يسحر الجميع بتحمسه للإصلاح. ولكن نشاطه خفف منه إحساسه بأنه معتمد على كاترين، لا بل على الجيش الروسي الذي خلفته في بولندة ليكفل سلامته وطاعته. وكان سفيرها الكونت أوتوفون شتاكلبرج يرقبه بعينه الساهرة مخافة أن ينسى سلطان روسيا عليه.

وكان الأعداء يحدقون به من بعيد ومن قريب. فالنبلاء البولنديون حزبان: الحزب الذي يتزعمه آل بوتوكي يدعو للاستقلال قبل الإصلاح،