ودبر المال ليمكن شباب الفنانين الواعدين من الدراسة في الخارج. وأسس قرب وارسو صناعة للبرسلان ضارعت منتجاته منتجات ميسن وسيفر. وقد ألهم بقدوته أثرياء البولنديين-كآدم تشارتوريسكي، واليزابث لوبوميرسكا، وهيلين رادزيفيل، وغيرهم-ليجمعوا التحف، ويكلفوا الفنانين بأعمال فنية، ويحلوا تنويعات الطراز الكلاسيكي الحديث محل ركوك الفترة السكسونية في بناء قصورهم وزخرفتها. وكان هو ذاته يحبذ مزيجاً من فن الباروك والفن الكلاسيكي، وبهذا الطراز صمم دومنيكو مرليني قصر لازينكي على مشارف وارسو. وكان المصورون الأجانب أثناء ذلك يدربون جيلاً جديداً من الفنانين البولنديين الذي بلغوا مرحلة النضج بعد أن اختفت الحرية البولندية.
أما أول الخطوات التي أفضت إلى تلك الكارثة فكانت العقبات التي وضعها فردريك الأكبر في طريق إصلاح بولندة لذاتها. وإلى ذلك الحين (١٧٦٧) لم يكن لدى كاترين فيما يبدو نية تقطيع أوصال قطر كبولندة خاضع خضوعاً واضحاً لنفوذ الروسي، فالتقسيم سيوسع رقعة بروسيا بحيث تغدو عائقاً أشد خطراً مما يمكن أن تكونه بولندة السلافية أمام مشاركو روسيا في شئون غربي أوربا وثقافتها. لذلك اكتفت بالمطالبة بإعطاء المنشقين حقوقهم المدنية الكاملة. ولكن فردريك أراد أكثر من هذا. فهو لم يستطع قط أن يروض نفسه على قبول هذه الحقيقة، وهي أن غربي بروسيا، الألماني البروتستنتي في غالبيته الكبرى، خاضع للحكم البولندي الكاثوليكي. ومن ثم كان نوع من التقسيم لبولندة هدفاً عنده لا يغيب عنه. وأي تقوية لبولندة، سياسية أو عسكرية، ستعرقل بلوغ أهدافه؛ لذلك أيد عملاؤه حق النقض المطلق، وعارضوا في تشكيل جيش قومي بولندي، ورحبوا بالخلافات المحتدمة بين الكاثوليك والمنشقين لأنها تتيح ذريعة للغزو.
وتعاون تعصب الكهنوت الكاثوليكي الروماني مع خطط فردريك. فقد قاوم كل محاولة تبذل لإعطاء المنشقين حقوقهم المدنية. وفي "روسيا البيضاء"-التي كانت آنئذ جزءاً من بولندة، مشتملة على منسك-انتزعت