وبين بوسويه وديموستين. وسخر من لغة ألمانيا وأدبها، وامتدح فنها المعماري. وشق على نفسه ليبرر غزوه سيليزيا، فقال أنه أحس أن لرجل الدولة أن ينتهك الوصايا العشر إن اقتضته ذلك مصالح دولته الحيوية "فخير أن يحنث الملك بعهده من أن يهلك الشعب"(١١٤) -وهذا الهلاك-كما أمل أن تصدقه-هو الخطر الذي تهدد بروسيا في ١٧٤٠؛ وقد اعترف بأنه اقترف أخطاء كثيرة في قيادته جيشه، ولكنه رآه أمراً لا ضرورة له أن يسجل فراره مولفتز. وهذان المجدان في جملتهما يقفان على قدم المساواة مع أفضل الكتابات التاريخية عن أوربا الحديثة قبل جبون.
وما أن وضعت حرب السنين السبع أوزارها حتى عكف فردريك على كتابة "تاريخ حرب السنين السبع". وكان كقيصر يتطلع إلى أن يكون خير مؤرخ لحملاته، وكقيصر تحاشى الحرج فتكلم عن نفسه بضمير الغائب. وهنا أيضاً حاول-ربما بعذر أفضل-أن يبرر المبادرة الجريئة التي بدأ بها الحرب. وقد امتدح ألد أعدائه، ماريا تريزا، في كل ما يتصل بحكمها الداخلي، أما في علاقاتها الخارجية فقد أدان هذه المرأة المتكبرة "التي" استبد بها الطمع فأرادت أن تبلغ هدف المجد من كل طريق" (١١٥) ووسط سجل الحملات، المحايد إلى حد لا بأس به، توقف ليندب أمه التي ماتت في ١٧٥٧ وشقيقته التي لحقت بها في ١٧٥٨. والصفحة التي وصف فيها فلهلمنية واحة من الحب في بيداء خربة من الحرب.
وقد خلص إلى أن التاريخ أستاذ عظيم تلاميذه قليلون: "إن في طبيعة البشر ألا يتعلم إنسان من التجربة. وحماقات الآباء تضيع هدراً على الأبناء، وكل جيل لا بد مقترف حماقاته" (١١٦) "كل من يقرأ التاريخ بإمعان يدرك أن المشاهد ذاتها كثيراً ما تتكرر، وأنه لا حاجة بنا إلا لتغيير أسماء الممثلين" (١١٧). ولكنا حتى لو استطعنا أن نتعلم، فإننا سنظل عرضة للمصادفة التي لا يمكن التنبؤ بها. "إن هذه المذكرات تقنعني أكثر فأكثر بأن كتابة التاريخ إن هي إلا تجميع لحماقات الناس وضربات الحظ. فكل شيء يدور حول هذين الموضوعين" (١١٨).