مفتاح حلها على الأقل" في هذا النقد (١٧). وذهب إلى أن الخطر الوحيد الذي يخشاه "ليس خطر تفنيد آرائي بل عدم فهمي" (١٨).
فما الذي جرى يا ترى إلى خوض هذه المغامرة البطولية؟ قد يظن أن إعلاء حركة التنوير الفرنسية من شأن العقل-وزعم جماعة الفلاسفة أن الإيمان يجب أن يخضع للعقل-وما حاق باللاهوت المسيحي نتيجة لهذا من دمار، كان السبب الذي جعل كانت يصمم على دراسة أصل العقل وعمله وحدوده. وقد لعب ذلك الحافز دوره، كما ورد في مقدمة كانت للطبعة الثانية (١٩)، ولكن المقدمة ذاتها أوضحت بجلاء أن العدو الذي أسهدفه هو هذه التوكيدة الإيقانية (الدجماطيقية) بكل ألوانها-أي كل مذاهب الفكر التقليدية والمبتدعة على السواء، التي ينشئها عقل لم يخضع للامتحان. وقد لقب كرستيان فون فولف بـ "أعظم الفلاسفة الدجماطيقيين قاطبة" لأنه اضطلع بإثبات عقائد المسيحية، وفلسفة لبنتس بالعقل وحده. وكل المحاولات التي تبذل للبرهنة على صدق الدين أو كذبه بالعقل الخالص هي في نظر كانت صور من الدجماطيقية؛ وقد حكم بـ "دجماطيقية الميتافزيقا" على كل مذهب في العلم أو الفلسفة أو اللاهوت لم يخضع أولاً لامتحان نقدي للعقل ذاته.
وقد اتهم تفكيره هو، حتى عام ١٧٧٠، بأنه مدان بهذه الدجماطيقية. يقول أن ما أيقظه من هذه التأملات غير الممحصة هو قراءته لهيوم-ربما كتابه "بحث في الفهم البشري" الذي ظهرت ترجمته ألمانيا له في ١٧٥٥. وكان هيوم قد زعم أن كل تدليل يعتمد على فكرة العلة، وأننا في التجربة الفعلية لا ندرك العلة إدراكاً حسياً بل التعاقب وحده؛ وإذن فكل العلم والفلسفة واللاهوت يرتكز على فكرة-علة ليست غير فرض ذهني لا حقيقة مدركة حسياً. كتب كانت يقول "أعترف بصراحة أن ملاحظة ديفد هيوم هي التي قطعت على سباتي الدجماطيقي منذ سنين طويلة ووجهت أبحاثي في مجال الفلسفة النظرية في اتجاه مختلف كل الاختلاف" (٢٠). فكيف يمكن إنقاذ مفهوم العلة من المكان الوضيع، مكان الفرض غير اليقيني، الذي