للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلفه فيه هيوم؟ يقول كانت أنه لا سبيل إلى ذلك إلا ببيان أنه قبلي، مستقل عن الخبرة، واحد من تلك المقولات، أو أشكال الفكر، التي وإن كانت ليست بالضرورة فطرية، إلا أنها جزء من التركيب الفطري للعقل (١). ومن ثم صمم على التغلب على دجماطيقية فولف وارتيابية هيوم جميعاً بنقد-أي بتمحيض نقدي-يصف في الوقت نفسه سلطة العقل ويحددها ويحييها. وهذه المراحل الثلاث-الدجماطيقية، والارتيابية، والنقد-هي في نظر كانت المراحل الثلاث الصاعدة في تطور الفلسفة الحديثة.

وفي ولع بالتعاريف، والتمييزات، والتصنيفات، وباستخدام للألفاظ الطويلة اختصاراً للكلام، قسم كانت المعرفة كلها إلى معرفة تجريبية (تعتمد على التجربة) وأخرى ترانسندنتالية (مستقلة عن التجربة ومن ثم متجاوزة لها). وقد وافق على أن المعرفة كلها "تبدأ" بالتجربة، بمعنى أن إحساساً ما لا بد أن يسبق وينبه عمليات الفكر، ولكنه يعتقد أن في اللحظة التي تبدأ فيها التجربة فإن تركيب العقل يشكلها بما تأصل فيه من أشكال "الحدس" (الإدراك الحسي) أو الإدراك العقلي. وأشكال "الحدس" الأصيلة هي الصور المشتركة بين الجميع، والتي تتخذها التجربة في إحساسنا الظاهر كمكان، وفي حساسيتنا الباطنة كزمان.

وبالمثل توجد أشكال فطرية من الإدراك العقلي أو الفكر، مستقلة عن التجربة وهي تشكلها. وقد سماها كانت المقولات، وقسمها بتناسق أولع به وحرص عليه حرصاً شديداً إلى أربع مجموعات ثلاثية: ثلاث مقولات للكم-هي الوحدة والكثرة وجملة الكل؛ وثلاث مقولات للكيف-هي الوجود والسلب وحد التناهي؛ وثلاث مقولات قوائم للإضافة هي الجوهر في مقابل العرض، والسببية في مقابل التلازم، والمشاركة أو التفاعل؛


(١) ذكر كانت في خطاب لجارفي في ١٧٩٨ تفسيراً لاحقاً لـ "يقظته" هذه. قال: "إن تناقضات العقل الخالص (الصعوبات التي ينطوي عليها الإيمان بالله أو عدم الإيمان به، أو حرية الإرادة، أو الخلود) … هي التي بدأت إيقاظي من سباق الدجماطيقي وساقتني إلى نقد العقل" (٢١).