للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثلاث مقولات قوائم للجهة-هي الإمكان في مقابل الاستحالة، والوجود في مقابل العدم، والضرورة في مقابل العرضية. وكل إدراك حسي يندرج تحت واحد أو أكثر من هذه الأشكال أو القوالب الأساسية للفكر. فالإدراك الحسي إحساس تترجمه الأشكال الفطرية للزمان والمكان، والمعرفة إدراك حسي تحوله المقولات إلى حكم أو فكرة. والتجربة ليست قبولاً سلبياً لانطباعات موضوعية على حواسنا، إنما هي حصيلة العقل المؤثر إيجابياً على خامة الإحساس.

وقد حاول كانت أن يعارض ارتيابية هيوم في العلية، وذلك بأن عد علاقة العلة والمعلول شكلاً حقيقياً من أشكال الفكر لا حقيقة موضوعية؛ وهي بهذه الصفة مستقلة عن الخبرة وليست خاضعة لعدم يقينية الأفكار التجريبية. ولكنها مع ذلك جزء ضروري من كل تجربة، لأننا لا نستطيع فهم التجربة بدونها. ومن ثم فإن "إدراك العلة العقلي" ينطوي على صفة الوجوب، التي لا يمكن لأي تجربة أن تعطيها" (٢٢). وقد ظن كانت أنه بـ "خفة القلم" هذه أنقد العلم من ذلك القيد المذل، قيد الاحتمال، الذي قضى عليه به هيوم. بل إنه زعم أن العقل البشري لا الطبيعة-هوالذي ينشئ "قوانين الطبيعة" الشاملة، وذلك بإضفائه على بعض تعميماتنا-كالتعميمات الرياضية-صفات من الشمول والوجوب لا تدرك موضوعها إدراكاً حسياً. "إننا نحن الذين ندخل ذلك الترتيب والانتظام على المظهر الذي نسميه "الطبيعة". وما كنا لنجدهما قط في المظاهر لولا أننا نحن أنفسنا بحكم طبيعة عقلنا، وضعناهما في الأصل هناك" (٢٣) و "قوانين الطبيعة ليست كيانات موضوعية بل مركبات عقلية نافعة في معالجة التجربة".

وكل معرفة تتخذ شكل الصور أو المثل، والمثالي بهذا المعنى على صواب: فالعالم "بالنسبة لنا" ليس إلا أفكارنا. وما دمنا لا نعرف المادة إلا كأفكار وبواسطة الأفكار، فالمادة إذن مستحيلة منطقياً، لأنها تحاول أن ترد المعلوم مباشرة (الأفكار) إلى المجهول أو المعلوم بطريق غير مباشر. ولكن المثالي يخطئ إذا اعتقد أنه لا شيء "موجود" إلا صورنا، لأننا نعلم أن الصور