للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمكن إحداثها بالأحاسيس، ونحن لا نستطيع تفسير كل الأحاسيس دون أن نفترض، لكثير منها، علة خارجية. وبما أن معرفتنا مقتصرة على الظواهر أو المظاهر-أي على الشكل الذي يتخذه السبب الخارجي "بعد" أن تشكله أساليب إدراكنا الحسي والعقلي-فإننا لا نستطيع أبداً أن نعرف الطبيعة الموضوعية لتلك العلة الخارجية (٢٤)، ولا بد أن تظل بالنسبة لنا شيئاً-في-ذاته، ملغزاً، "نومينا" يدرك عقلياً ولا يدرك حسياً على الإطلاق. فالعالم الخارجي موجود ولكنه في حقيقته المطلقة مجهول لا يمكن معرفته" (٢٥).

والنفس أيضاً حقيقية ولكن لا يمكن معرفتها. ونحن لا ندركها حسياً على الإطلاق بوصفها كياناً مضافاً إلى الحالات العقلية التي ندركها حسياً، وهي الأخرى"نومين" يدرك عقلياً بالضرورة باعتبارها الحقيقة التي من وراء الذات الفردية، والحس الأخلاقي وأشكال العقل وعملياته. والإحساس بالذات يمتزج مع كل حالة عقلية، ويوفر الاستمرارية والهوية الشخصية. والوعي بالذات "وعي الذات الاستبطاني" هو أوثق تجاربنا قاطبة، ولا سبيل إلى إدراكه عقلياً كشيء مادي بأي جهد بطولي من جهود المخيلة (٢٦). ويبدو من المستحيل أن تؤثر نفس لا مادية في جسد مادي، وأن تتأثر به، ولكن لنا أن نعتقد أن الحقيقية المجهولة والكامنة وراء المادة "قد لا تكون مع ذلك شديدة الاختلاف في طبيعتها" من ذلك الشيء-في-ذاته، الباطن، الذيهو النفس (٢٧).

وليس في استطاعتنا بالعقل الخالص أو النظري أن نثبت (كما حاول فولف) أن نفس الفرد خالدة، أو أن الإرادة حرة، أو أن الله موجود؛ ولكنا أيضاً لا نستطيع بالعقل الخالص أن ندحض هذه المعتقدات (كما خطر لبعض الشكاك أن يفعلوا) فالعقل والمقولات مهيأة للتعامل مع الظواهر أو المظاهر فقط، الظاهرة أو الباطنة، ولا نستطيع تطبيقهما على الشيء-في-ذاته، أي على الحقيقة من وراء الأحاسيس أو النفس التي من وراء الأفكار. فإذا حاولنا إثبات عقائد الدين أو دحضها وقعناً في أغلاط (في البرهان)