أو أغاليط (مغالطات) أو نقائض-تناقضات ملازمة. كذلك ينتهي الأمر إلى استحالات كهذه إذا قلنا أن العالم كان له بداية أو لم يكن، أو أن الإرادة الحرة أو غير حرة، أو إن كان واجباً أو كائناً أعلى موجود أو غير موجود. وعبر كانت في بلاغة غير معهودة فيه عن البرهان الغائي (٢٨). ولكنه خلص إلى أن "قصارى ما يستطيع هذا البرهان إثباته هو "مهندس" … تعوقه دائماً أشد التعويق تكيفية المادة التي يشتغل بها، لا "خالق" .. يخضع لفكرته كل شيء"(٢٩).
ومع ذلك كيف نستطيع الرضى بمثل هذه النتيجة المحيرة-وهي أن حرية الإرادة، والخلود، والله، هذه كلها لا يمكن إثباتها أو نفيها بالعقل الخالص، يقول كانت إن في باطننا شيئاً أعمق من العقل، هو شعورنا الذي لا يقبل التفنيد بأن الوعي، والعقل، والنفس، ليست مادية، وأن الإرادة حرة إلى حد ما، وإن يكن على نحو غامض ولا منطقي؛ ونحن لا نستطيع أن نقنع طويلاً بالنظر إلى العالم على أنه تسلسل لا معنى له من التطور والفناء دون مغزى خلقي أو عقل أصيل. فكيف نستطيع تبرير إرادة الإيمان فينا؟ من جهة (كما يقول كانت) بالجدوى الفعلية للإيمان-لأنه يقدم لنا بعض الهداية في تفسير الظواهر، ويوفر لنا شيئاً من السلامة الفلسفية والسلام الديني، يقول:
"إن أشياء العالم يجب النظر إليها" كأنها "تلقت وجودها من عقل أسمى. ففكرة (الله) هي في الحقيقة مدرك عقلي موجه، لا مدرك عقلي مباشر (هي فرض يعين على الكشف والفهم، ولكنها ليست برهاناً) … ففي ميدان اللاهوت يجب أن ننظر إلى كل شيء "كأن" جماع المظاهر كلها (العالم المحسوس ذاته) له أساس واحد، أسمى، كل الاكتفاء، وراء ذاته-هو عقل موجود بذاته، مبتكر، مبدع. لأنه في ضوء هذه الفكرة، فكرة العقل المبدع، نوجه الاستخدام التجريبي "لعقلنا" بحيث نحصل على أقصى امتداد مستطاع له .. والمفهوم المحدد الوحيد الذي يعطينا إياه العقل النظري الخالص عن الله هو، بأدق معنى، مفهوم "ربوبي"؛ أي أن العقل لا يحددالصحة