وقد حور المؤلف التاريخ ليطوعه لمسرحيته، فجوتفريد فون برليشنجن لم يبلغ في نبله وشهامته مبلغ جوتز كما صوره جوته؛ ولكن تعديلات كهذه تعد من قبيل الجواز الشعري، شأنها شأت القوافي المشوهة. كذلك يغتفر لجوته ذلك الحديث الخشن المتهور الذي أجراه على لسان بطله تعبيراً عن الفحولة. وحيي أخرجت المسرحية في برلين (١٧٧٤) أدانها فردريك الأكبر "تقليداً بغيضاً" لتلك "البربرية" التي رآها هو في شكسبير، كما رآها فولتير؛ ثم دعا المسرحيين الألمان أن يلتمسوا نماذجهم في فرنسا. وقد وافق هردر فردريك أول الأمر، وقال لجوته "لقد دمرك شكسبير"(٣٦)، ولكنه بعث بالنسخة المشهورة إلى أصدقائه مشفوعة بالتقريظ العظيم. "أمامكم ساعات من السحر. فهناك قدر غير عادي من القوة والعمق والإخلاص الألماني الأصيل في التمثيلية، وإن كانت بين الحين والحين لا تعدو أن تكون تدريباً ذهنياً"(٣٧). أما الجيل الأصغر فقد حيا جوته بوصفه أسمى تعبير عن حركة "شتورم" وطالب للقراء الألمان أن يسمعوا أخبار فرسان العصر الوسيط، ورموز الخلق الألماني الجبار. ولذ البروتستنت أن يسمعوا أصداء لوثر في "الأخ مارتن"، الذي يشكو من أن نذوره الفقر والعفة والطاعة نذور غير طبيعية، والذي يصف المرأة بأنها "فخر الخليقة وتاجها"، ويهش للخمر لأنها "تبهج قلب الرجل"، ويقلب قولاً مأثوراً قديماً بقوله أن "البهجة أم الفضائل كلها"(٣٨). وحتى أبو جوته، الذي اضطر أن يعاونه في مهنة المحاماة والذي رأى فيه صورة لتدهور سلالة أبيه، اعترف بأنه ربما كان في غير الغلام خير رغم كل شيء.
وفي مايو ١٧٧٢ كان على المحامي الشاب أن يذهب في مهمة قضائية إلى فنتسلار، مقر محكمة الاستئناف الإمبراطورية. وراح يجول بين الحقول والغابات ومخادع النساء غير مكترث البته بالقانون، وهو يرسم ويكتب ويستوعب. وفي فنتسلار التقى بكارل فلهلم يروزاليم، الشاعر والمتصوف، وجيورج كرستيان كستنر، وهو موثق وصفه جوته بأنه "يتسم بالسلوك الهادئ الرصين، وبوضوح الرؤية، … وبالنشاط الرزين الذي لا يكل"(٣٩)،