للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسوف يبقى بعد أن تموت بزمن طويل. " وقد جر عليهما الجزء الهجائي من الابجرامات هجمات مضادة آلمت شيلر وأضحكت جوته. ونصح جوته شيلر بأن يجعل من عمله الرد الوحيد على هذا الهجوم. "بعد مغامرتنا المجنونة في الابجرامات، علينا أن نحرص على العكوف على أعمال الفن العظيمة الجليلة دون غيرها، وأن نخزى جميع خصومنا بتحويل طبائعنا المتقبلة إلى صور نبيلة" (١١٧).

وهكذا كان، ففي سني صداقتهما النامية تلك كتب جوته وشيلر بعضاً من أروع قصائدهما: فكتب جوته "عروس كورنت" و "الإله والبايدير"؛ وكتب شيلر "المسيرة" (١٧٩٥) و "كراكي أبيكوس" (١٧٩٧) و "أنشودة الناقوس" (١٨٠٠). وأضاف شيلر مقالاً كبيراً في "الشعر الساذج العاطفي" (١٧٩٥) -وطلع جوته على الناس بقصته "تلمذة فلهلم مايستر" (١٧٩٦).

وقد عني شيلر بالشعر الساذج العاطفي، ذلك الشعر المنبعث عن الإدراك الحسي الموضوعي مقابل الشعر الذي ينشئه الوجدان التأملي؛ وكان في طويته يقارن بين جوته وشيلر. أما الشاعر "الساذج" فليس بسيطاً ولا سطحياً ولا مخدوعاً، إنما هو شاعر توافق في يسر مع العالم الخارجي بحيث لا يشعر بأي تعارض بينه وبين الطبيعة، بل يجد طريقه إلى الواقع بالحدس المباشر غير المتردد: ويستشهد شيلر بهومر وشكسبير مثالين على فكرته. وكلما أصبحت المدنية أكثر تعقيداً وافتعالاً فقد الشعر هذه المباشرة الموضوعية والانسجام الذاتي؛ ودخل الصراع النفس، وكان على الشاعر أن يقتنص من جديد بالخيال والوجدان هذا التوافق والاتحاد بين النفس والعالم-كمثل أعلى يتذكره أو يتطلع إلى تحقيقه؛ ويغدو الشعر عندئذ تأملياً، يلبد الفكر سماءه (١١٨). وكان شيلر يعتقد أن معظم الشعر اليوناني من النوع الساذج أو المباشر، ومعظم الشعر الحديث حصيلة التنافر والتفكك والشك. والشاعر المثالي هو الذي يصهر المدخلين جميعاً-البسيط والتأملي-في رؤية واحدة وصورة شعرية واحدة. وقد ذكر جوته فيما بعد أن هذا المقال أصبح مصدراً للجدل بين الأدب والفن الكلاسيكيين والرومانتيكيين.