وفي هذه الفترة امتزجت دماء المستعمرين الهولنديين والألمان في جنوب أفريقيا وانبعث البوير ببطء نتيجة الامتزاج.
وجاء الانتعاش بفضل خلق الهولنديين وجدهم وأمانتهم. فقد عكف شعب هادئ قوي مدبر على فلاحة أرضه، وتشحيم طواحين هوائه، ورعي أبقاره، وتنظيف معامل ألبانه، وإنتاج ألوان لذيذة من الجبن الشهي الكريه الرائحة؛ وكانت هولندة سباقة بين دول أوربا في مضمار الزراعة العلمية (١١). واستعادت دلفت سوق البرسلان الذي فقدته. واسترد مصرفيو أمستردام الهولنديون واليهود ما اشتهروا به من جدارة بالثقة وقدرة على التصرف؛ فأقرضوا المال بقليل من الفائدة والمخاطرة، وحصلوا على عقود رابحة بدفع رواتب الجند وتموينهم؛ ولجأت الحكومات ورجال الأعمال إلى أمستردام طلباً للقروض، وندر أن ردوا فارغين؛ وطوال ذلك القرن المضطرب كله تقريباً كانت بورصة أمستردام المركز المالي للعالم الغربي. كتب آدم سمث حوالي عام ١٧٧٥ يقول:"إن إقليم هولندة … بالنسبة إلى مساحة أرضه وعدد سكانه، بلد أغنى من إنجلترة"(١٢).
وأكثر ما راع فولتير في ١٧٢٥ (١٣) كان تعايش مختلف الأديان تعايشاً لم يكدر صفوه مكدر. فهنا كان كاثوليك سنيون وكاثوليك جانسنيون (ألم يكن جانسن نفسه هولندياً؟)، وبروتستنت أرمينيون من القائلين بحرية الإرادة، وبروتستنت كلفنيون من القائلين بالقضاء والقدر، ومعمدانيون من القائلين بتجديد العماد، وسوينيون، وإخوان مورافيون ويهود، ثم حفنة من أحرار الفكر يصطلون في دفء التنوير الفرنسي (١٤). وكان أكثر القضاة من البروتسنت، ولكنهم "كانوا يأخذون النقود بانتظام من الكاثوليك" كما يقول مؤرخ هولندي "للإغضاء عن ممارستهم شعائر دينهم والسماح لهم بشغل مناصبهم"(١٥). وكان الكاثوليك الآن ثلث السكان الذين بلغ عددهم ثلاثة ملايين. أما الطبقات العليا، الملمة بأديان كثيرة بفضل اشتغالها بالتجارة، فقد تشككت في هذه الأديان كلها، ولم تسمح لها بالتدخل في القمار، والشراب، والشره في الطعام، وشيء من الفسق المتستر على الطريقة الفرنسية (١٦).