وكانت الفرنسية لغة المثقفين. وكثرت المدارس، واشتهرت جامعة ليدن بدراساتها في الطب التي أحيت ذكر بويهافي العظيم. وكان في كل المدن جمعيات للفنون، ومكتبات، و "قاعات للخطابة" تعقد مباريات دورية في الشعر. وكان تجار التحف الهولنديون يتمتعون بشهرة أوربية بكنوزهم وتزييفاتهم (١٧). وكان عصر الفن الهولندي الذهبي قد ولى بموت هوبيما (١٧٠٩)، ولكن كورنيلس تروست كان على الأقل صدى يردد عظمته. وربما كان أروع نتاج الفن الهولندي في هذا العصر هو الزجاج الرقيق المنقط أو المحفور بأبر من الماس (١٨). وكانت أمستردام عشاً للناشرين، بعضهم شرفاء وبعضهم قراصنة. وهبط النشاط الخلاق في الأدب إلى مستوى منحط النصف الأول من القرن الثامن عشر، ولكن حوالي ١٧٨٠ غذت حركة إحياء للأدب شاعراً مطبوعاً هو فلليم بلدريدك.
ويروي بوزويل أن صديقاً له أخبره أنه سيجد الهولنديين "سعداء في غبائهم"(١٩)؛ ولكن بوزويل كتب من أوترخت يقول "إننا نعقد اجتماعات متألقة مرتين في الأسبوع، وحفلات خاصة كل مساء تقريباً .. وفي زمرتنا سيدات جميلات محبوبات هن من الكثرة بحيث لا تستطيع الصحائف الكثيرة أن توفيهن حقهن من الثناء"(٢٠) وأروع الصفحات في مذكرات بوزويل السريعة الموجزة عن هولندة تلك التي تصف غرامه المتردد بزيليده أو "حسناء زويلين"-وهي ايزابيللا فان تويل. وكانت تنتمي إلى أسرة عريقة مرموقة؛ فأبوها "سيد زويلين وفستبروك" كان أحد حكام إقليم أوترخت. وقد تلقت من التعليم فوق ما تحتمل، فباتت تجر بهرطقاتها في فخر، وهزأت بالتقاليد، والأخلاق، والدين، ومراتب الشرف، ولكنها فتنت الناس جميعاً بحسنها ومرحها وصراحتها المثيرة. وقد أحجمت عن الزواج المهذب الوفي، وكتبت تقول "لو لم يكن لي أب ولا أم لما تزوجت .. ولا اغتبطت كل الاغتباط بزوج يتخذني كخليلته؛ ولقلت له "لا تنظر إلى الوفاء على أنه واجب. فما ينبغي أن يكون لك غير حقوق العاشق وغيرته" (٢١). فأجاب بوزويل أشد الفاسقين إلحاحاً في أوربا "يا للعار يا زيليدتي، أي أوهام هذه" ولكنها أصرت على موقفها "إني