١٣ - رفعت الثورة الصناعية أهمية الاقتصاد ووضعه، وأفضت إلى التفسير الاقتصادي للتاريخ، وعودت الناس على التفكير بلغة العلة والمعلول الماديين، وأفضت إلى نظريات ميكانيكية النزعة في علم الأحياء فحواها محاولة تفسير جميع عمليات الحياة على أنها أفعال ميكانيكية.
١٤ - تضافرت هذه التطورات في العلم، والنزعات الشبيهة في الفلسفة، مع الأحوال الحضرية والثراء المتسع، على إضعاف العقيدة الدينية.
١٥ - غيرت الثورة الصناعية من الأخلاقية. إنها لم تغير طبيعة الإنسان ولكنها أعطت قوى وفرصاً جديدة لغرائز قديمة نافعة بدائياً، مكدرة اجتماعياً. وأكدت حافز الكسب إلى حد بدا فيه مشجعاً ومكثفاً لأنانية الإنسان الفطرية. لقد كانت الغرائز غير الاجتماعية تجد كابحاً لجماحها في سلطة الوالدين، وفي التعليم الأخلاقي في المدارس، وفي التلقين الديني. ولكن الثورة الصناعية أضعفت هذه الكوابح كلها. وكانت الأسرة في النظام الزراعي هي وحدة الإنتاج الاقتصادي كما كانت وحدة الاستمرار العرقي والنظام الاجتماعي؛ وكانت تعمل جماعة على الأرض خاضعة للنظام الذي يفرضه الأبوان والفصول؛ وقد علمت التعاون وشكلت الخلق. أما النزعة الصناعية فقد جعلت الفرد والشركة هما وحدتي الإنتاج، وفقد الأبوان والأسرة الأساس الاقتصادي لسلطتهما ووظيفتهما الأخلاقية. وإذ أصبح تشغيل الأطفال غير مجز في المدن لم يعد الأطفال نفع اقتصادي. وانتشر ضبط النسل، وأكثر انتشاره بين الأفراد الأكثر ذكاء، وأقله بين الأقل ذكاء، مما أحدث نتائج غير متوقعة للعلاقات العرقية والسلطة الثيوقراطية: وإذ حرر تحديد الأسرة والأجهزة الميكانيكية المرأة من هموم الأمومة وواجبات البيت، فقد جذبت إلى المصانع والمكاتب؛ وكان التحرير معناه التصنيع. وإذ استغرق الأبناء فترة أطول حتى يصلوا إلى الاعتماد على ذواتهم اقتصادياً فإن الفترة التي طالت بين النضج البيولوجي والاقتصادي جعلت العفة السابقة للزواج أشق، وحطمت الناموس الأخلاقي الذي كان ممكناً في المزرعة بفضل النضج الاقتصادي المبكر، والزواج المبكر، والعقوبات الدينية