للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ١٧٥٧ يقول: "لقد كسرت كل قاعدة، وأهملت كل لياقة"، ووصف "أسلوب حياته" بأنه تتنوع فيه مختلف الخطط، فأنا في لندن، وأنا في أنحاء نائية من الريف، وأنا آخر في فرنسا، وعما قريب في أمريكا أن استجاب لي الله". وفيما خلا هذا لا نعرف عن بيرك شيئاً في سني الاختبار والتجريب تلك، اللهم إلا أنه في ١٧٥٦، في تعاقب غير مؤكد، نشر كتابين رائعين وتزوج.

وأحد الكتابين عنوانه "دفاع عن المجتمع الطبيعي، أو نظرة إلى ألوان الشقاء والشر التي يجرها على البشر كل نوع من أنواع المجتمع الاصطناعي، خطاب إلى اللورد-بقلم كاتب نبيل متوفي". والمقال الذي بلغت صفحاته نحو خمس وأربعين، هو في عنوانه إدانة قوية لكل أنواع الحكم. فيه من النزعة الفوضوية أكثر كثيراً مما في مقال روسو "الأصل في عدم المساواة" الذي ظهر قبل ذلك بسنة فقط. وقد عرف بيرك المجتمع الطبيعي بأنه " مجتمع أساسه الرغبات والغرائز الفطرية لا أي نظام وضعي" (٢١). "فتطور القوانين كان انحطاطاً" (٢٢)، وما التاريخ إلا سجلاً للمجازر والغدر والحرب (٢٣)، والمجتمع السياسي متهم بحق بأكبر قسط من هذا الدمار" (٢٤). وكل الحكومات تتبع المبادئ المكيافيلية، وترفض كل الضوابط الأخلاقية، وتعطي المواطنين مثالاً مفسداً للجشع والخديعة واللصوصية والقتل (٢٥). والديموقراطية في أثينا وروما لم تأت بعلاج لشرور الحكم، لأنها سرعان ما انقلبت دكتاتورية بفضل قدرة زعماء الدهماء على الظفر بإعجاب الأغلبيات الساذجة. أما القانون فهو الظلم مقنناً، فهو يحمي الأغنياء المتبطلين من الفقراء المستغلين (٢٦)، ويضيف إلى ذلك شراً جديداً-هو المحامون (٢٧) " لقد أحال المجتمع السياسي الكثرة ملكاً للقلة". فانظر إلى حال عمال المناجم في إنجلترا، وفكر ملياً أكان من الممكن لأن يوجد شقاء كشقائهم في مجتمع طبيعي-أي قبل وضع القوانين-أفينبغي رغم ذلك أن نقبل الدولة، كما نقبل الدين الذي يساندها، على أنها قد استلزمتها طبيعة الإنسان؟ كلا على الإطلاق.