للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تميز تحرك الصحافة البريطانية صوب حرية ونفوذ متعاظمين بصراع آخر في هذه السنوات. وذلك أن بعض الجرائد بدأت حوالي ١٧٦٨ ف يطبع تقارير عن الخطب الكبرى التي تلقى في البرلمان. وكان أكثر هذه التقارير متحيزاً وغير دقيق، وبعضها وهمياً، وبعضها محشواً بالبذاءات. وفي فبراير ١٧٧١ شكا الكولونيل جورج أونسلو إلى مجلس العموم من أن مجلة أشارت إليه بعبارة "الوغد الحقير" و "ذلك الحشرة التافهة الخسيسة" فأمر المجلس في ١٢ مارس بالقبض على الطابعين. فقاوموا، وقبضوا على من أرادوا اعتقالهم وأتوابهم إلى عضوين في البلدية (أحدهما ولكس) وبراس كروبنتي عمدة لندن. وأبطل العمدة محاولة اعتقال الطابعين بحجة أن مراسم المدينة تحظر اعتقال لندني إلا بناء على أمر اعتقال يصدره أحد قضاة المدينة، فأمر البرلمان بسجن العمدة في برج لندن، ولكن جماهير العامة هبوا يؤيدونه، وهاجموا مركبات النواب، وهددوا الوزراء، وصفروا للملك استهزاءً، ثم أغاروا على مجلس النواب. فأطلق سراح العمدة، وهتف له جمع غفير. واستأنفت الصحف تقاريرها عن المناقشات البرلمانية. وكف البرلمان عن توجيه الاتهام للطابعين. وفي ١٧٧٤ بدأ لوك هانسارد بموافقة البرلمان ينشر فوراً وبدقة يوميات مجلس العموم، وواصل نشرها حتى وفاته في ١٨٢٨.

وقد أثر الانتصار التاريخي الذي أحرزته الصحافة البريطانية في طابع المناقشات البرلمانية، وأسهم في جعل النصف الثاني من القرن الثامن عشر العصر الذهبي للبلاغة الإنجليزية. وأصبح الخطباء أشد حذراً، وربما أكثر رغبة في الإثارة، حين شعروا أن الناس يستمعون إليهم ف يطول الجزر البريطانية وعرضها. وغدا يعض التقدم صوب الديموقراطية أمراً لا مفر منه بعد أن اتسع انتشار الإعلام والفكر السياسيين، ووجدت طبقة رجال الأعمال، والمجتمع المفكر، والراديكاليون الصاعدون، في الصحافة صوتاً ازداد جرأة وفاعلية زيادة مطردة، حتى قهر الملكية ذاتها. واستطاع الناخبون أن يعرفوا الآن إلى أي حد أحسن نوابهم الدفاع عنهم وعن مصالحهم في وضع القوانين وإلغائها. لقد استمر الفساد ولكنه تقلص، لأنه كان في الإمكان فضحه بجهر أكثر. وغدت الصحافة سلطة ثالثة قادرة أحياناً على حفظ التوازن بين الطبقات في الأمة أو في الأحزاب في البرلمان. وأصبح للرجال القادرين على شراء الصحف أو الهيمنة عليها قوة تعدل قوة الوزراء.