ما هما صانعان، وأن المسألة لا تتصل بإنجاب كائن عاقل فحسب، بل ربما اتخذ التكوين السليم لبدنه، ومزاج هذا البدن، ونبوغه وطبيعة ذهنه ذاتها، ربما اتخذت هذه كلها من الأمزجة والميول الغالية عليهما آنذاك، -ولو أنهما وزنا هذا كله وفكرا فيه كما ينبغي، ثم تصرفا طبقاً لهذا، لكنت يقيناً قد انبعثت إلى العالم شخصاً مختلفاً كل الاختلاف. قالت أمي "من فضلك يا عزيزي، ألم تنس أن تملأ المنبه؟ "-وصاح أبي … "رباه! أهناك امرأة منذ خلق الله الدنيا تقاطع رجلاً بسؤال غبي كهذا؟ ".
ومن ذلك الحادث فصاعداً يتألف الكتاب من الاستطرادات. ذلك أن ستيرن لم يكن لديه حكاية يرويها، ومن باب أولى حكاية الغرام التي هي مدار أكثر القصص، إنما رغبته أن يسلي نفسه وقراءه بالحديث الهوائي عن كل شيء، ولكن دون نظام؛ فكان يثب حول مشكلات الحياة جليلها وحقيرها وثب جواد مرح لعوب في حقل. وبعد أن كتب أربعة وستين فصلاً خطر له أنه لم يكتب لكتابه مقدمة، فأدخل المقدمة عند تلك النقطة، وأتاح له هذا أن يسخر من نقاده. ووصف منهجه بأنه "أكثر المناهج تقوى، لأنني أبدأ بكتابة الجملة الأولى، ثم أتكل في مجيء الثانية على الإله القدير"(٩) وعلى التداعي الطليق في الباقي. ومن قبله صنع رابليه ما يشبه هذا، وترك سرفانتس روزنانتي يقوده من حادث إلى حادث، وجاب رورث بيرتن العالم قبل تشريحه للاكتئاب، أما ستيرن فقد رفع توافه الأمور إلى مقام المنهج، وحرر جميع الروائيين من الحاجة إلى موضوع أو خطة.
ولقد أبهج طبقات بريطانيا ذات الفراغ أن ترى مقدار الضجة التي يمكن إثارتها حول لا شيء، وكيف أن في الإمكان تأليف كتاب بالإنجليزية الإنجلو-سكسونية في عصر جونسن. أما البريطانيون الأشداء فقد رحبوا بالطرافة المرحة التي وجدوها في قسيس يتحدث عن الجنس وانتفاخ البطن، والشق الذي في سروال العم طوبي. وفي مارس ١٧٦٠ ذهب ستيرن إلى لندن ليرشف رحيق نجاحه، وأسعده أن يجد أن المجلدين قد نفدا، وأخذ