للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قلبه محبته. وأنفق شطراً كبيراً من دخله على الكتب، و "كونت بالتدريج مكتبة كبيرة منقاة، وهي ركيزة مؤلفاتي، وخير عزاء لي في الحياة" (٥٨).

وكان قد بدأ مقالاً في لوزان وأتمه في بوريتون (حيث كان ينفق الصيف) وعنوان المقال "في دراسة الأدب":، وقد نشر باندن في ١٧٦١ وبجنيف في ١٧٦٢. وإذ كان مكتوباً بالفرنسية، ويتناول أول ما تناول الأدب والفلسفة الفرنسية، فإنه لم يثر ضجة في إنجلترا، ولكنه استقبل في القارة استقبال إنجاز ممتاز لفتى في الثانية والعشرين. وقد احتوى بعض الأفكار ذات الدلالة في كتابة التاريخ. " أن تاريخ الإمبراطوريات هو تاريخ شقاء الإنسان، وتاريخ المعرفة هو تاريخ عظمته وسعادته … والاعتبارات كثيرة تجعل هذا النوع الثاني من الدراسة غالياً في عيني الفيلسوف" (٥٩). ومن ثم "إذا لم يكن الفلاسفة دائماً مؤرخين، فمن المرغوب فيه على الأقل أن يكون المؤرخون فلاسفة" (٦٠). وقد أضاف جبون في "مذكراته" هذه العبارة "منذ شبابي الباكر تاقت نفسي إلى أن أكون مؤرخاً" (٦١). وراح يفتش عن موضوع يلائم الفلسفة والأدب كما يلائم التاريخ. أما التاريخ في القرن الثامن عشر فلم يدع أنه علم من العلوم، لا بل أنه تاق إلى أن يكون فناً. أما جبون فأحس بأنه يريد أن يكتب التاريخ بوصفه فيلسوفاً وفناناً: يعالج موضوعات واسعة في منظور واسع، ويسبغ على فوضى المواد دلالة فلسفية وشكلاً فنياً.

غير أنه دعا فجأة من الدراسة إلى العمل. ذلك أن إنجلترا تعرضت غير مرة خلال حرب السنين السبع لخطر الغزو من فرنسا. واستعداداً لهذا الطارئ كون أعيان الإنجليز مليشيا تذود عن البلاد خطر الغزو أو التمرد. ولم يسمح إلا لذوي الأملاك بأن يكونوا ضباطاً. وعين جبون الأب ضابطاً كبيراً والابن ضابطاً صغيراً في يونيو ١٧٥٩. والتحق إدوارد الثالث بفرقته في يونيو ١٧٦٠، وبقي معها حتى ديسمبر ١٧٦٢ فترات منقطعة، يتنقل من معسكر إلى معسكر. ولم يكن بالرجال الصالح للحياة العسكرية، وأصابه "الملل من رفاق لم يؤتوا معرفة الدارسين ولا طباع السادة المهذبين" (٦٢).