يتحسر على نجاح جماعة الفلاسفة في حربهم التي شنوها على الدين، "لقد خطر لي أحياناً أن أكتب حواراً بين الموتى، يتبادل فيه لوسيان وارزم وفولتير الاعتراف بخطر تعريض خرافة قديمة لاحتقار الجماهير العمياء المتعصبة"(١١٧). وحث بعض زعماء البرتغاليين على ألا يتخلوا عن ديوان التفتيش خلال هذه الأزمة التي هددت كل العروش (١١٨).
ورحل جبون عن لوزان (٩ مايو ١٧٩٣) وأسرع بالعودة إلى إنجلترا، من جهة هرباً من جيش الثورة الفرنسية المقترب من لوزان، ومن جهة أخرى التماساً للجراحة الإنجليزية، ولسبب قريب هو تعزية اللورد شفيلد في وفاة زوجته، فوجد شفيلد في شغل بالسياسة عجل بسلواه. وكتب جبون يقول "شفي المريض قبل وصول الطبيب"(١١٩). وأذعن المؤرخ نفسه الآن لأوامر الأطباء، لأن فيلته كانت قد بلغت من التضخم "حجم طفل صغير تقريباً … إنني أزحف وحفاً بشيء من الجهد وكثير من عدم اللياقة"(١٢٠) وقد صرفت إحدى الجراجات جالوناً من "السائل المائي الشفاف" من الخصية المريضة. ولكن السائل تجمع ثانية، وأخرج بزل ثان ثلاثة أرباع الجالون، واستشعر جبون الراحة مؤقتاً، واستأنف الخروج للعشاء. ولكن الفيلة تكونت من جديد، وباتت الآن عفنة. وفي ١٣ يناير بزلت للمرة الثالثة. وبدا أن جبون يتماثل للشفاء سريعاً، وسمح له الطبيب بأكل اللحم، وأكل جبون بعض الدجاج وشرب ثلاث أكواب من النبيذ. فأصابته آلام معوية شديدة حاول كما حاول فولتير تخفيفها بتعاطي الأفيون. ولكن في ١٦ يناير مات بالغاً السادسة والخمسين.
د - المؤرخ
لم يكن جبون ملهماً في مرآه ولا في خلقه ولا في سيرته، فعظمته كلها انسكبت في كتابه، في فخامة فكرته وشجاعتها، وفي الصبر على تأليفه والتفنن فيه، وفي الجلال الوضاء الذي كلله كله.
أجل، لقد صدق شريدان فيما قال، فأسلوب جبون وضاء بالقدر الذي يسمح به التهكم، وقد ألقى الضوء أينما اتجه، اللهم إلا حين يحجب الهوى