المتخصصون، ولكن بيوري هذا الذي بين مآخذه أضاف:"لو أخذنا في الاعتبار المدى الشاسع لمؤلفه لأدهشتنا دقته"(١٢٣) ولم يستطع أن ينقب في المصادر الأصلية غير المنشورة (كما يفعل محترفو المؤرخين ممن يقتصرون على رقعة صغيرة من الموضوع والزمان والمكان)، ولكي يتم عمله اقتصر على المادة المطبوعة، واعتمد بصراحة على مراجع ثانوية مثل كتاب أوكلي "تاريخ المسلمين" أو كتابي تلمون "تاريخ الأباطرة" و "التاريخ الكنسي"؛ وبعض المراجع التي اعتمد عليها مرفوضة الآن لأنها غير موثوق بها (١٢٤). وقد أفصح عن مصادره في تفصيل أمين وشكر مؤلفيها؛ من ذلك أنه قال في هامش حين جلوز الفترة التي تناولها تلمون:"هنا عليّ أن أستأذن إلى الأبد من ذلك المرشد الذي لا يبارى"(١٢٥).
ترى ما النتائج التي خلص إليها جبون من دراسته للتاريخ؟ إنا نراه أحياناً يتبع جماعة الفلاسفة الفرنسيين في قبول حقيقة التقدم:"يجوز لنا أن نرتضي النتيجة السارة التي تذهب إلى أن كل عصر في العالم زاد وما زال يزيد من ثروة النوع الإنساني الحقيقية، وسعادته، ومعارفه، وربما فضائله"(١٢٦)، ولكنه في لحظات أقل إشراقاً- وربما لأنه قد اتخذ الحرب والسياسة (واللاهوت) مادة للتاريخ- حكم على التاريخ بأنه "في الحق لا يعدو كثيراً أن يكون سجلاً لجرائم الإنسان وحماقاته ونكباته"(١)(١٢٧) ولم ير في التاريخ قصداً مرسوماً؛ فالأحداث ثمرة أسباب لا موجه لها، فهي متوازي أضلاع من قوى ذات أصل مختلف ونتيجة مركبة. وفي كل هذه المشاكل من الأحداث يبدو أن الطبيعة البشرية تظل دون تغيير. ولقد ابتلى النوع الإنساني دائماً وسيظل دائماً مبتلى، بالقسوة والمعاناة والظلم، لأنها هذه كلها مركبة في طبيعة البشر"، إن الإنسان خليق بأن يخشى من ثورات إخوانه من البشر أكثر كثيراً مما يخشى اضطرابات الطبيعة العنيفة (١٢٩).
(١) قارن فولتير "كل التاريخ، باختصار؛ ليس إلا … مجموعة جرائم وحماقات ونكبات … (١٢٨).