مما فيه من صفات المؤرخ) أنها ما لبثت أن تخلصت من شغفها بالثياب الغالية، وأن خسائرها في القمار بولغ فيها، وأن ديونها ترجع إلى سخائها غير الحكيم بقدر ما ترجع إلى إنفاقها الطائش (٣١). وناصبها البلاط والصالونات العداء لأنها نمساوية، ولم يكن الحلف مع النمسا من قبل محبوباً على الإطلاق. وكانت ماري أنطوانيت، التي لقبت بـ "النمساوية" تجسيداً لذلك الحلف، وقد اشتبه الفرنسيون، ولهم بعض الحق، في أنها تخدم المصالح النمساوية، على حساب فرنسا أحياناً. ولكن حتى مع هذا، فإن حيويتها الشابة، ومرحها ورقة قلبها، كلها كسبت قلوباً كثيرة. حدث مرة أن جاءت مدام فيجيه-لبرون، الحبلى منذ شهور كثيرة، لتصورها (١٧٧٩)، وبينما كانت المصورة عاكفة على رسمها أسقطت بعض أنابيب الألوان، وللتو قالت لها الملكة لا تنحني، "لأنك بعيدة جداً عنها" ثم التقطت بنفسها الأنابيب (٣٢). وكانت أنطوانيت ترعى مشاعر غيرها عادة. ولكنها أحياناً، في مرحها الطائش كانت تضحك من لأزمات غيرها أو عيوبهم. وكانت تستجيب بغاية السرعة لكل رجاء، "أنها لم تعرف بعد خطر الاستسلام لكل دافع كريم"(٣٣).
مثل هذه المخلوقة المفعمة بالحيوية، والتي كانت الحياة والحركة عندها مرادفين، لم تخلق لخطو مراسم البلاط، ذلك الخطو البطيء والحذر. وسرعان ما تمردت عليه، والتمست البساطة واليسر في البتي تريانون وحوله، وكان على ميل من قصر فرساي. وفي ١٧٧٨ أهدى لويس السادس عشر الملكة هذا الملتقى ملكاً خالصاً لها، تستطيع أن تخلو فيه مع أخصائها، ووعد لويس أنه لن يتطفل عليهم إلا إذا دعي. ولما لم يكن في المبنى غير غرف ثمان، فقد أمرت الملكة ببناء بعض الأكواخ بقربه لأصحابها وخططت لها الحدائق المحيطة به على النمط "الطبيعي"-بممرات ملتفة، وأشجار منوعة، ومخابئ، وجداول حمل إليه الماء في أنابيب من مارلي بتكلفة غالية. ولاستكمال حلم روسو في العودة إلى الطبيعة أمرت بإقامة ثماني مزارع صغيرة في الحديقة الملاصقة، ولكل منها كوخها الريفي، وأسرتها الفلاحة، وكوم سباخها، وأبقارها. هناك كانت تقلد راعيات الغنم فتلبس عباءة بيضاء،