مدام دبولنياك جاءت لتؤكد له أن ماري أنطوانيت ستحميه (١٢). ورغب الأكليروس في طرده، ولكن لم يوجد في السجلات أي حظر رسمي يحرم زيارة فولتير لباريس، واكتفى لويس برفض رجاء الملكة السماح للكاتب الذي أطبقت شهرته الآفاق بالمثول في البلاط (١٣).
وحين ذاع في باريس نبأ خروج الرجل الذي حدد الطابع الفكري للقرن الثامن عشر من منفاه الطويل الأمد، تحولت قاعة الأوتيل فيليت إلى بلاط وعرض حقيقيين. وقد قيل أنه في ١١ فبراير زاره ثلاثمائة شخص، منهم جلوك، وبلتيني، وطورجو، وتاليران، ومارمونتيل، والسيدات نكير، ودوباري، ودودفان. وأتى فرانكلين في صحبة حفيد له في السابعة عشرة، طالباً بركوة الشيخ الجليل عليه، ورفع فولتير يديه فوق رأس الصبي، وقال بالإنجليزية "يا بني، الله والحرية، تذكر هاتين الكلمتين"(١٤). فلما استمر سيل الزوار يتدفق يوماً بعد يوم كتب الدكتور ترونشان إلى المركيز دقيليت يقول:"أن فولتير يعيش الآن على رأسماله لا على الفائدة، ولن تلبث عافيته أن تتبدد من جراء أسلوب عيشه هذا. ونشرت هذه الرسالة القصيرة في "الجورنال دباري" في ١٩ فبراير، لمنع الفضوليين فيما يبدو من الزيارة"(١٥). أما فولتير نفسه فكان قد تنبأ في فرنيه بما سيكلفه انتصاره:"سأموت بعد أربعة أيام إن كان علي أن أحيا حياة أهل الدنيا"(١٦).
وخطر لبعض رجال الدين أنهم قد يحققون نصراً كبيراً لو اصلحوا بينه وبين الكنيسة الكاثوليكية. وكان نصف راغب في هذا الصلح، لأنه كان عليماً بأن الذين ماتوا في أحضان الكنيسة هم وحدهم الذين يمكن دفنهم في أرض مقدسة، وكل المقابر في فرنسا كانت أرضها مقدسة. ومن ثم فقد رحب بخطاب ورد له في ٢٠ فبراير من الأبيه جولتييه يطلب مقابلته. وجاء الأبيه في اليوم الواحد والعشرين، وتحدثا برهة، دون نتيجة لاهوتية معروفة. ثم رجت مدام دني الأبيه أن ينصرف، وقال له فولتير أن له أن يحضر ثانية. وفي اليوم الخامس والعشرين أصيب فولتير بنزيف شديد،