اتهم الكاثوليك لوثر ورفاقه بالخروج على المسيحية واتهم البروتستنت الكاثوليك بأنهم ليسوا على المسيحية الصحيحة، ولكن الطرفين - الكاثوليك والبروتستنت - تعاونا معا في إحراق جماعة أخرى واضطهادها، هي الجماعة المناهضة للتثليث. وهي تشكل حركة بكل معاني الكلمة في التاريخ الأوروبي، وتشير لها مراجع التاريخ الأوروبي العام، وتاريخ الأديان التي كتبها أوروبيون تحت عنوان شامل، هو الهراطقة والهرطقة. وتشير الكتب العربية التي تناولت التاريخ الأوروبي إلى هذه الحركة بالتسمية نفسها التي تسميها بها المراجع الأوروبية، وهذا خطأ واضح. وقد اعتمد في هذا البحث على وثائق منشورة ومصادر أصلية. ولعل هذا البحث يكون فاتحة لبحوث أخرى عن هذه الحركة المجهولة، مكتوبة من وجهة نظر عربية إسلامية.
المعروف أن القرن السادس عشر في أوروبا قد شهد حركة شهيرة عرفت بحركة الإصلاح الديني، نتج عنها مذهب جديد، عرف بالمذهب البروتستنتي، منشقا عن كنيسة روما الكاثوليكية. وكان الكاثوليك وكنيستهم يسمون هؤلاء المعترضين البروتستنت هراطقة أو مبتدعين.
وقد شغل هذا الصراع بين البروتستنت والكاثوليك مساحة كبيرة في كتب التاريخ الأوروبي، وهو جدير بهذه المساحة وأكثر. فقد شارك هذا الصراع في صياغة خريطة أوروبا المعاصرة. فالصراع بين الكاثوليك والبروتستنت كان أحد أسس ثورة الأراضي المنخفضة التي نتج عنها قيام كيانين: هولندا فبلجيكا. وهذا الصراع نفسه هو الذي أصل وعمق استقلال سويسرا، مما أدى إلى اعتراف مجتمع الدول الأوروبية بها في النهاية كدولة مستقلة سنة ١٦٤٨ م في صلح وستفاليا. وهذا الصراع نفسه هو الذي صاغ تاريخ إنجلترا (بريطانيا فيما بعد)، فلا أحد إذن يقلل من أهمية حركة الإصلاح الديني التي تزعمها لوثر أولا وتلاه زونجلي فكالفن. تلك العصبة التي أطلق عليها الكاثوليك اسم الهراطقة أو المبتدعين.
وهذه الحركة الإصلاحية التي تزعمها لوثر، فزونجلي وكالفن بعده اختلطت فيها العوامل الاقتصادية والسياسية الاجتماعية والدينية، فقد أزكاها رغبة الأمراء الألمان في الاستيلاء على أملاك الكنيسة الكاثوليكية في مقاطعاتهم. كما أزكاها رغبة الإمبراطور في عدم