ابتعد عن داره بعيدا وعاش في بيئة غريبة وصارمة. ولم يستطع الطلبة الآخرون أن يغفروا له كبرياءه وحدة مزاجه اللذين يبدوان غير متجانسين مع نبالته nobility الغامضة (غير الواضحة بالنسبة لهم). وقد عبر نابليون عن ذلك قائلا:"لقد عانيت كثيرا جدا من سخرية زملاء الدراسة الذين كانوا يعتبرونني غريبا".
وانسحب الفتى الذي لم يأتلف مع أقرانه وتقوقع على نفسه واستغرق في الدراسة والكتب والأحلام. وكان ميله للعزلة عميقا، فقد كان قليل الكلام لا يثق في أحد وجعل نفسه بعيدا عن عالم بدا قد صمم لتعذيبه. ومع هذا فقد كان هناك استثناء واحد ذلك أنه صادق لويس أنطوان فيفيليت دى بورين Louis-Antoine Fauvelet de Bourrienne الذي ولد أيضا في سنة ١٧٦٩ وقد تحمس كل منهما للآخر ودافع عنه، وحارب كل منهما الآخر وبعد انفصال طال بينهما أصبح سكرتيرا له في ١٧٩٧ وظل قريبا منه حتى سنة ١٨٠٥.
ومكنت العزلة هذا الشاب الكورسيكي Corsican من التفوق في دراسته التي أشبعت عطشه للسمو والتفوق. لقد نفر من دراسة اللاتينية ومن كل الدراسات الميتة فلم يكن ثمة فائدة له من دراسة فضائل فرجيل Virgilian graces ومحكماته الصامتة. وتلقى دراسات قليلة في الأدب أو الفن لأن المعلمين (في هذه المدرسة الحربية) غير ملمين كثيرا بهذه الأمور. لكنه كان شغوفا منذ البداية بالرياضيات ففيها وجد ما يصبو إليه من دقة ووضوح بعيدا عن الأحكام المسبقة والجدال بالإضافة إلى ضرورتها الدائمة لمهندس عسكري.
وفي هذا المجال تفوق نابليون على كل طلبة فصله، كما أنه كان يستسيغ الجغرافيا فهذه الأراضي المختلفة لا بد من دراستها، ودراسة الشعوب التي تعيش عليها، وفي الأرض الطعام وهو لازم للأحلام وكان التاريخ فيما يرى (وهو كذلك رأي كارليل Carlyle) هو عبادة الأبطال خاصة الذين يقودون الأمم ويشكلون الإمبراطوريات وأحب بلوتارخ Plutarch حتى أكثر من حبه لإقليدس Euclid . لقد تنفس التعاطف مع هؤلاء الوطنيين القدماء وشرب من دم هذه المعارك التاريخية، فقد قال له باولي ذات يوم:"ليس من شيء جديد فيك فأنت تنتمي إلى بلوتارخ تماما". ولا بد أنه كان يفهم هاين Heine الذي قال إنه عندما قرأ بلوتارخ تطلع إلى ركوب حصان والانطلاق لفتح باريس. وقد حقق نابليون هذا الهدف من خلال غزوه