إلى نابليون، فرفع يديه فزعا وتساءل:"ماذا يمكنني أن أعمل معهم؟ " فلم يكن نابليون يستطيع أن يأخذ ٢،٧٠٠ أسير معه في مسيرته تلك فالرجال الفرنسيون بذلوا قصارى جهدهم ليجدوا الطعام والشراب لأنفسهم، ولا يمكنه تدبير عدد كاف من الحراس لاصطحاب هؤلاء الأسرى ليسجنوا في القاهرة، وإذا هو أطلق سراحهم فما الذي يمنعهم من حرب الفرنسيين ثانية فعقد نابليون اجتماعا عسكريا وسألهم عن رأيهم في هذه المشكلة، فكان رأيهم أن أفضل حل هو قتل هؤلاء الأسرى، فتم الصفح عن نحو ثلاثمائة منهم، وقتل ٢،٤٤١ طعنا بالحراب لتوفير الذخيرة.
وواصل الغزاة مسيرتهم، وفي ١٨ مارس وصلوا إلى مدينة عكا شديدة التحصين، وكان يقود المقاومة الجزار باشا يساعده أنطوان دي فيليبو Phélippeaux - الذي كان زميلا لنابليون في الدراسة في بريين Brienne، وحاصر الفرنسيون المدينة دون مدافع حصار ذلك أن مدافع الحصار التي كان قد تمَّ إرسالها من الإسكندرية بحرا استولى عليها أسطول إنجليزي بقيادة سير وليم سدني Sir William Sidney وسلمها إلى حصن المدينة (عكا) وراح يزود حاميتها بالطعام والمواد اللازمة في أثناء الحصار.
وفي ٢٠ مايو بعد أن قضى الفرنسيون شهرين أمام أسوار المدينة وتكبدوا خسائر فادحة أمر نابليون بالعودة إلى مصر، وقد ذكر نابليون بعد ذلك متفجعا:
"إن فيليبو جعلني أتراجع عن عكا، فلولاه لأصبحت سيد مفتاح الشرق ولأمكنني الذهاب إلى القسطنطينية واستعادة الإمبراطورية الشرقية".
وفي سنة ١٨٠٣ (غير متوقع أحداث سنة ١٨١٢) ذكر لمدام دى ريموسا de Remusat: " لقد مات خيالي عند عكا. لن أسمح لها أبدا بالتداخل معي مرة أخرى".
كانت العودة على طول الساحل في أيام نحسات متوالية، لقد كان الجيش أحيانا يقطع مسيرة تصل إلى إحدى عشرة ساعة يوميا بين آبار لا يشرب ماؤها في معظم الحالات يسمم البدن ولا يكاد يطفئ عطشا. وطلب نابليون من أطباء الحملة تدبير جرعات مميتة من الأفيون للقضاء على المصابين بأمراض لا شفاء لها، لكن الأطباء رفضوا وسحب نابليون اقتراحه، وأمر بالتخلي عن ركوب الخيل وتركها للمرضى وجعل من نفسه قدوة لضباطه