والطب الشرعي وتاريخ الطب، وكان لفترة رئيسا لكل مستشفيات باريس. وكان واحدا من كثيرين من الرجال المشهورين الذين أحبوا حبا عاقلا مكتوما أرملة المثقف (الفيلسوف) هلفيتيوس Helvétius التي كانت دائما جديرة بأن تحب. وقد قابل في صالونها كلاً من:
ديدرو Diderot ودلامبير d`Alembert ودهولباخ d`holbach وكوندورسيه Condorcet وكوندياك Condillac وفرانكلين Franklin وجيفرسون Jefferson، وباعتباره دارسا للطب فقد كان على نحو خاص منجذباً إلى كوندياك الذي كان معروفا تماما في المجال الفلسفي في فرنسا باعتقاده أن كل المعارف أساسها الحس (أو الإحساس Sensation) . وقد راقت هذه الفلسفة الحسية (التي مؤداها أن الحس هو أساس المعرفة) لكاباني Cabanis، فاتفقا اتفاقا تاما على ما وجده من علاقة ارتباط بين العمليات الجسدية والنفسية. ولقد صدم حتى المفكرين الذي بلغوا مرتبة كبيرة في عصره بقوله:
" لتكون فكرة صحيحة عن العمليات التي ينتج عنها الفكر، من الضروري أن تنظر للمخ كعضو خاص مهمته المحددة هي إنتاج الفكر، تماما كما للمعدة والأمعاء وظيفة هي هضم الطعام، وكما أن للكبد وظيفة هي ترشيح الصفراء، ...... الخ".
ومع هذا فإن كاباني عدل من تحليلات كوندياك (كما فعل كانط Kant مؤخراً في كتابه نقد العقل الخالص) فقال بأن الحس يدخل التكوين العضوي (الكائن العضوي) الذي يكون قد تكوّن على نحو ما (نصف تكوّن) عند الميلاد، لكنه يعدل بعد ذلك من خلال كل تجربة يخوضها، ويحمل معه ماضيه في خلاياه وذاكرته ليشكل جزءا من الشخصية المتغيرة بما في ذلك الأحاسيس الداخلية والأفعال الانعكاسية والغرائز والمشاعر والرغبات. فالكلية السيكولوجية تنتج كذلك نماذج لكل بنية (تكوين) وتجعل لكل حس (محسوس) تستقبله غرضا. وبهذا المعنى يكون كاباني قد اتفق مع كانط على أن العقل (أو النفس) ليست غفلاً قبل التعليم (أو ليست كصفحة بيضاء خالية) بحيث يطبع عليها الحس ما يشاء. إنها "منظمة" لتحويل