الأحاسيس إلى أفكار وأعمال. وعلى كل حال فقد أصر كاباني على أن "العقل" الذي يرجع إليه كانط ليس منفصلاً انفصالا تاما عن الأنسجة والأعصاب.
هذا النظام (أو النسق) المادي ظهر للمرة الأولى (١٧٩٦) في المذكرات الاثنتي عشرة التي نشرها كاباني معا في سنة ١٨٠٢ بعنوان:
"حصاد دراسة فيزيقية الإنسان وأخلاقه"
" Rapports du Physique et du moral de l'homme"
وهذه المذكرات تجعل العقل (أو المخ) القوي فعالا وبشكل نشيط على منطقة واسعة من حب الاستطلاع والتأمل. والمقالة الأولى تكاد تكون مسحا للسيكولوجيا الفيسيولوجية physiological psychology وتدرس الأعصاب ذات الصلة بالحالة النفسية. والمقالة الثالثة تحلل "اللاشعور unconscious": فذكرياتنا المتجمعة (أو العلامات التي تحدثها الأعصاب) قد تتداخل مع المثيرات الحسية الداخلية والخارجية لتنتج أحلاما، وربما على نحو لا شعوري تؤثر في أفكارنا حتى ونحن في حالة يقظة وانتباه. والمقال الرابع بارتباط العقل بالعمر فأفكار الشخص نفسه وشخصيته قد تختلف تماما في سن السبعين عنها في سن العشرين. أما المقال الرابع فيتناول كيف أن إفرازات الغدد خاصة الجنسية قد تؤثر في مشاعرنا وأفكارنا. والمقال العاشر يؤكد أن الإنسان عرضة لتغير يتم مصادفة أو تبدل، ثم إن هذه الصفات المتغيرة تورث.
وفي كتاب نسب إلى كاباني بعنوان "خطابات في العلل الأولى Lettres sur les causes premieres" (١٨٢٤) نشر بعد موته بستة عشر عاما يظهر أنه تراجع عن مذهبه المادي وأرجع العلة الأولى للذكاء والإرادة. والمادي قد يذكرنا بأن الجراح الكبير قد حذرنا من تأثير الجسم الهرم (الذي اعترته الشيخوخة) على عقله المرتبط به (أي المرتبط بهذا الجسم). وربما افترض الشكوكي skeptic (النزاع إلى الشك خاصة في مبادئ الدين) أن غموض الوعي (الشعور) هو الذي دفع كاباني إلى الشك في قدرة المذهب المادي على تبسيط الحقيقة المعقدة جدا والمباشرة. وعلى أية حال فإنه لأمر طيب أن يذكر فيلسوف نفسه بين الحين والحين أنه مجرد ذرة يتحدث إلينا عن اللامتناهي infinity .
وثمة رجلان عاصرا عهد الفلاسفة (المفكرون philosopher) عاشا حتى يلتقيا بالثورة التي كانت حلما مرغوباً فيه. فعندما رأى الأب الراهب رينال Raynal الذي أصبح