مؤازرة الحياة a life-sustaining myth . وفي محاولتها إحداث طلاق بين الدولة والكنيسة ناضلت الثورة لنشر "الأخلاق الطبيعية". ووجدنا أن هذه المحاولة لم تنجح. فمن ناحية نجد أن تاريخ فرنسا في القرن التاسع عشر كان يمثل محاولات متشنجة دورية طال أمدها للخروج من كهف الانهيار الأخلاقي الذي سببته الثورة. وها هو القرن العشرون على مشارف النهاية من غير أن تجد البشرية حتى الآن بديلا طبيعيا للدين في حث هذا الحيوان الناطق (الإنسان) على الالتزام بمبادئ الأخلاق.
وتركت لنا الثورة بعض الدروس في الفلسفة السياسية لقد بدأت بالأقلية التي راح عددها يزداد إلى التحقق من أن الإنسان هو الإنسان بصرف النظر عن طبقته، فهؤلاء الثوار الذين وصلوا إلى السلطة راحوا يتصرفون كما تصرف من سبقوهم بل وفي بعض الحالات راحوا يتصرفون بشكل أشد فظاعة. قارن تصرفات روبيسبير بتصرفات لويس السادس عشر. لقد أصبح الناس نزاعين للشك في دعاوى الثورة فما عادوا يتوقعون شرطة لا يعتريها الفساد وسيناتورات يراعون الفضائل، وعلموا أن الثورة لا يمكن أن تحقق أكثر مما يمكن أن يحققه التحول والتطور التدريجي، وتسمح به الطبيعة البشرية، وما كانت هذه الفكرة لترسخ في الأذهان لولا ما عاينه الناس في نفوسهم من جذور البربرية الراسخة التي تمتد لتعمل خلاف ضوابط الحضارة.
ورغم نواقص الثورة وعيوبها - وربما بسبب بتجاوزاتها وإسفافها - فقد تركت تأثيرا قويا في آداب فرنسا وفنونها وتطلعاتها وانفعالاتها وذاكرتها. بل وتركت التأثيرات نفسها في أمم أخرى من روسيا إلى البرازيل. فحتى سنة ١٨٤٨ كان كبار السن يحكون لأبنائهم عن أبطال هذه الفترة المثيرة، وما سادها من إرهاب اتسم بالطيش والقسوة بشكل يناقض القيم المتوارثة كلها. أكان عجباً أن يتحرك الخيال وتجيش العواطف على نحو قلما كان يحدث قبل قيام هذه الثورة؟ أكان عجباً أن يدفع التفكير في قيام دول يعيش فيها الناس على نحو أسعد، الرجال والنساء لتكرار محاولات تحقيق الأحلام النبيلة لهذه الحقبة التاريخية؟ إن قصص الوحشية والفظاعة التي سادت في أثناء الثورة الفرنسية دفعت الأرواح إلى التشاؤم والتخلي عن كل عقيدة.