الذين بعثت بهم باريس - إما أنهم غير أكفاء، وإما فاسدون، وإما غير أكفاء وفاسدون معاً. لذا فقد أصم نابليون أذنيه عن المطالبات بالحكم الذاتي المحلي communal self-rule.
لقد فضّل - بعد أن رجع للنظام الروماني القنصلي أو لنظام المحافظين intendants في أواخر حكم أسرة البوربون - أن يُعيِّن (أو يجعل وزارة الداخلية تعين) لكل دائرة أو محافظة أو مديرية أو قسم مأموراً prefect (منوطاً به تنفيذ القوانين)، ونائب مأمور (أو مأموراً مساعداً) في الوحدات الإدارية الفرعية، وأن يعين لكل كمون مديراً أو محافظاً أو رئيساً mayor ويكون كل معيَّن (بتشديد الياء وفتحها) مسئولاً أمام من هو أعلى منه وأخيراً أمام الحكومة المركزية. وعلى هذا فقد كان كل المأمورين المعيَّنين من الرجال ذوي الخبرة الواسعة، وكان معظمهم من الأكفاء جداً. وفي كل الأحوال وجدناهم يمكنون نابليون من القبض على زمام السلطة إلى حد كبير.
وكانت الخدمة المدنية (الجهاز الإداري كَكُل) في فرنسا في عهد نابليون هي الأكثر كفاءة والأقل ديمقراطية من بين كل ما عرفه التاريخ، ربما فيما عدا روما القديمة. وقاوم الشعب هذا النظام، الذي أثبت مع ذلك أنه ترياق يمكن تبرير استخدامه لعلاج نزعتهم الفردية المنطوية على تحقيق مكاسب، وقد احتفظ البوربون عندما عادوا للسلطة بهذا النظام كما احتفظت به الجمهوريات الفرنسية المتعاقبة. لقد أعطى هذا النظام لفرنسا استقراراً واستمرارية طوال قرن اجتاحته الاضطرابات السياسية والثقافية فقد كتب فاندال Vandal سنة ١٩٠٣ إن فرنسا تعيش اليوم في ظل التشكيل الإداري والقوانين المدنية التي أورثها لها نابليون.
وكانت المشكلة الأكثر إلحاحاً هي إعادة ملء الخزانة. لقد عرض نابليون وزارة المالية على مارتن - ميشيل جودين Martin-Michel Gaudin بناء على توصية من القنصل ليبرون Lebrun وكان جودين قد رفض في وقت سابق هذا المنصب في ظل حكومة الإدارة، وكان مشهوراً بالكفاءة والأمانة. وكان توليه لهذا المنصب في ظل حكومة القناصل ضماناَ لتأييد الماليين وثقتهم في هذه الحكومة الجديدة. فوصلت للخزانة قروض لإنقاذ الدولة وقدم أحد الماليين (البنكيين) للخزانة قرضا مقداره ٥٠٠،٠٠٠ فرنك ذهبا ولم يطلب فوائد.