اجتمعت كلها في الثمانية الأعوام- ما بين ١١٧٧ و ١١٨٥ - فزلزال ومجاعة وحريق كاد يأتي على كيوتو كلها (١)، ووصفه لما شاهده بعينه من مجاعة سنة ١١٨١ يعد مثلاً من أجمل ما في النثر الياباني:
"حدث في أرجاء البلاد جميعاً أن غادر الناس أراضيهم بحثاً عن سواها، أو نسوا ديارهم وذهبوا إلى التلال يتخذون في شعابها مسكناً؛ ولهجت الألسنة بكل ضروب الدعاء، وأدى الناس كل ألوان الشعائر الدينية التي لم تكن مألوفة في الأيام العادية، إذ أعادوها من جديد، كل ذلك فعلوه بغير ما جدوى … وأبدى سكان العاصمة استعدادهم لتضحية كل ما يملكون من نفائس من شتى الضروب، نفيساً في إثر نفيس (من أجل القوت) لكن لم يأبه لتلك النفائس أحد عندئذ … واحتشد السائلون الإحسان جماعات على جوانب الطريق، وامتلأت آذاننا بأصوات أنينهم الباكي … كان الناس جميعاً يموتون من جوع، وكلما تقدمت بنا الأيام، ازددنا يأساً حتى لقد أشبهنا ما تروى عنه القصة من سملك البركة؛ وانتهى الأمر حتى بأولئك الذين توحي سيماهم بالاحترام، والذين يرتدون القبعات ويغطون الأقدام، انتهى الأمر حتى بأولئك الناس إلى الإلحاف في سؤال الإحسان من باب إلى باب، وكان يحدث أحياناً أن يأخذك العجب كيف يستطيع هؤلاء الذين بلغت بهم تعاسة الحال كل هذا الحد أن يمشوا على أقدامهم، وإذا بك تراهم يسقطون أمام عينيك إعياء، فمات عدد لا يحصى من المجاعة، وكانوا يلفظون أرواحهم بجوار أسوار الحدائق أو إلى جوانب الطرقات؛ ولما كانت أجسادهم لا تجد من يزيلها من أماكنها، فقد امتلأ الهواء بالرائحة النتنة؛ حتى ما إذا أخذ التغير يطرأ
(١) أبشع ما شهدته اليابان في تاريخها من حرائق- وهي في تاريخها كثيرة- هي تلك التي محت ييدو (طوكيو) محواً تاماً سنة ١٦٥٧، وقضت على مائة ألف نفس بشرية.