للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مفيدة، وسينتشر لينتقل لنا تراث الجنس البشري. لا يجب أن نتوقع أن يزدهر الفن والشعر على نحو ما يتقدم العلم والفلسفة لأنهما (الفن والشعر) يعتمدان بشكل أساسي على الخيال الذي اتَّسم بالخصوبة والتوقّد في الأزمنة المتأخرة كما كان في الأزمنة الباكرة في التاريخ. وفي التطور الحضاري يسبق الفن والشعر العلمَ والفلسفة، ومن هنا فإن عصر بركليز Pericles سبق عصر أرسطو، والعصور الوسطى سبقت جاليليو Galileo، والفن في عهد لويس الرابع عشر سبق عصر التنوير العقلي.

والتطور العقلي لا يتسم بالاستمرار، فهناك تقهقر أو تراجع أو نكوص بسبب اضطرابات في الطبيعة أو تقلّبات السياسة، لكن حتى في العصور الوسطى كان العلم والمنهج العلمي يتقدمان مما مهّد لظهور كوبرنيكس Copernicus وجاليليو وبيكون وديكارت. وفي كل العصور تمثل الفلسفة تجميعاً تراكمياً للتراث الفكري وجوهره. وتأملت مدام دي ستيل وتنبأت قائلة:

"أنه ربما أصبحت الفلسفة في بعض حقب المستقبل مفهومة وناضجة بشكل كاف بحيث تحل محل العقيدة المسيحية أو بتعبير آخر تغنينا عن العقيدة المسيحية التي كنا نعتقدها في الماضي".

وقد عرَّفت التنوير الفلسفي les lumieres philosophiques بأنه "الحكم على الأشياء بمعيار العقل" ولم تفقد مدام دي ستيل إيمانها بحياة العقل إلاّ عند حديثها عن الموت. "إن انتصار التنوير الفلسفي (العقلي) كان دوماً ملائما لعظمة الجنس البشري وإصلاح حاله".

لكنها استمرت تقول (وكانت قد قرأت روسّو كما قرأت فولتير) "إن تطور العقل (الفكر) ليس كافيا فالمعرفة ليست إلاّ عنصراً واحداً في عملية الفهم. أما العنصر الآخر فهو الشعور، فلابد أن تكون الروح حساسة مرهفة كما لابد أن تكون الحواس كذلك". فبدونها (الحواس) تصبح الروح كلوح ميت غير قابل للتلقي أو تصبح كمتلق ميت للمثيرات المادية (الفيزيقية)، فبالحواس تدخل الروح في حياة الموجودات الحية الأخرى وتشاركها إعجابها ومعاناتها، فبشعور الروح من خلال الجسد يكون الشعور بوجود الله وراء العالم المادي. ومن خلال وجهة النظر هذه تصبح الآداب الرومانسية التي ظهرت في الشمال الضبابي (ألمانيا واسكندينافيا وبريطانيا العظمى) على الدرجة نفسها من الأهمية التي لآداب الجنوب المشمس (اليونان وإيطاليا) وتصبح قصائد أوسيان Ossian في أهمية ملاحم هوميروس Homer.