وبسبب توالي انتصارات نابليون. كانت فيينا كاثوليكية وجنوبية (لها مزاج أهل الجنوب) في موسيقاها وفنها وعقيدتها التي تكاد تكون عقيدة طفولية ساذجة، أما هي (مدام دي ستيل) فكانت بروتستنتية شمالية (لها مزاج أهل الشمال) مثقلة بالطعام والمشاعر تتقدم متعثرة في الفلسفة، لم يكن هنا ثمة كانط Kant وإنما موزارت، فلا خلافات حادة ولا مناقشات ملتهبة، ولا كتابات للمفكرين تشبه الألعاب النارية فليس هناك إلا المسرات البسيطة التي نعم بها الأصدقاء والعشاق، والآباء والأبناء، والنزهات في المنتزهات والتسكع على نهر الدانوب.
حتى الألمان أذهلها وضعهم: "مدفأة وبيرة (جعّة) وتدخين التبغ tobacco حول كل تجمع شعبي، فيصبح الجو ثقيلاً حاراً مع هذا فهم لا يميلون أبداً إلى التخلي عنه وكانت ترثي للبساطة الريفية التي يتصف بها اللباس الألماني، وميل الرجال الألمان للمسالمة (كونهم مروضين أو داجنين) واستعدادهم للتخلي عن السلطة. والانفصال بين الطبقات … أكثر ما يكون وضوحاً في ألمانيا منه في أي مكان آخر … فكل شخص محتفظ برتبته (المقصود وضعه الطبقي) ومكانه .. كما لو كان منصباً أو وظيفة مخصصة له منذ زمن طويل"
لقد افتقدت في ألمانيا هذا التلاحم الخصب بين الارستقراطية والمؤلفين والفنانين والجنرالات والسياسيين، ذلك التلاحم الذي وجدته في المجتمع الفرنسي، فهنا في هذا المكان "ليس لدى النبلاء سوى القليل من الأفكار، وليس لرجال الأدب خبرة عملية كثيرة بالأمور العامة". والطبقة الحاكم ظلت إقطاعية والمفكرون أضاعوا أنفسهم في أحلام لا أساس لها على أرض الواقع (أحلام في الهواء). وهنا اقتبست مدام دي ستيل القول المأثور الشهير الذي قال به جان بول ريختر (ريشتر) Jean Paul Richter:
" إمبراطورية البحار لإنجلترا، وإمبراطورية البر لفرنسا، أما ألمانيا فلها إمبراطورية الهواء" وأضافت قائلة "إن انتشار المعارف في العصر الحديث يؤدي إلى إضعاف الشخصية إذا لم يتم تدعيم هذا الانتشار بعادة العمل في المجالات المختلفة وتحقيق الإرادة".