الرّتب والألقاب والحقوق الإقطاعية. وعندما نذرت كتيبته نفسها للانضمام لجيش الثورة استقال من مهامه واكتفى بدخل متواضع من ميراث تركه له أبوه عند مماته - وفي ٤ أبريل سنة ١٧٩١ غادر فرنسا قاصداً الولايات المتحدة، وأعلن أنه سيحاول اكتشاف طريق شمالي غربي عبر القطب الشمالي (شمال أمريكا). "لقد كنتُ مفكراً حراً متحمساً في ذلك الوقت".
ووصل إلى بلتيمور Baltimore في ١١ يوليو سنة ١٧٩١ ومنها إلى فيلادلفيا، وتناول الغداء مع الرئيس واشنطن ورفّه عنه بخططه المتسمة بالمبالغة واتخذ طريقه إلى ألباني Albany واستأجر دليلاً واشترى حصانين وركب مزهوا إلى الغرب، وكان معجباً بجلال المشاهد التي شاهدها حيث الجبال والبحريات والمجاري المائية تتلألأ تحت شمس الصيف. لقد وجد متعة بالغة في هذه المساحات الواسعة المكشوفة وهذا الفن الذي خطته يد الطبيعة، ليكون ملجأ يلجأ إليه المرء هرباً من الحضارة وتكلّفها. وقد سجل تجربته في يوميات نقَّحها في وقت لاحق ونشرها بعنوان: رحلات في أمريكا Voyages en Amerique وظهر في هذه الرحلات بالفعل جمال أسلوبه:
"أيتها الحرية البدائية (حرية الفطرة الأولى) لقد استعدتك أخيراً! إنني انطلق مثلما ينطلق الطير، أتنقّل كالذبابة فهي تقود نفسها لا عوائق أمامها، ولا تعرف إرباكاً ولا حيرة إلاّ في اختيارها للمكان الظليل. هنا أنا بطبيعتي كما خلقني الله جل جلال؛ سيد الطبيعة، منتصر أنا إذ يحملني الماء، بينما قاطنو المجاري المائية يصطحبونني في طريقي وقاطنو الهواء يغنون أغنياتهم لي، وحيوانات الأرض البرية تحييني وأشجار الغابات تحني ذُراها لي كلما مررت، أليست أصولنا الأولى حُفِرت (سُجّلت) على جبين الإنسان في مجتمعه أو على جبيني؟ اجرِ إذن لتُخرس أنفاسك في مدنك! اذهب لتكون عبداً لقوانينك التافهة، احصل على خبزك بعرق جبينك أو التهم خبز الفقراء. ليقتل بعضنا بعضاً من أجل كلمة، من أجل السيدّ؛ فنتشكك في وجود الله أو نعبده بصيغ عبادة خرافية، أما أنا فسأذهب أتجوّل في قفرى المنعزل ففيه لن يقمع أحد فكري ولن يُدمي أحد قلبي، فسأكون حراً كالطبيعة، ولن أعترف بسلطان أحد سوى سلطانه (الله) الذي أبقى لنا الشمس، والذي بإشارة واحدة من