هنا كل ميراث الحركة الرومانسية: الحرية والطبيعة والصداقة، لكل الكائنات الحية، احتقار للمدن واحتقار لمحاربة الإنسان لأخيه الإنسان من أجل الخبز أو السلطان، هنا رفض للإلحاد والخرافة، هنا نعبد الله بتأمل الطبيعة، هنا يكون الهرب من كل قانون خلا قانون الله.
لا يهم - من وجهة نظر أدبية - أن يكون شاتوبريان قد فقد إيمانه الديني، أو أن كثيراً من أوصافه كان أقرب للخيال منه للحقيقة، أو أن النقاد الفرنسيين والأمريكيين سرعان ما اكتشفوا مئات المبالغات والمستحيلات والمواضع التي اتسم فيها بعدم الدقة، وإنما المهم أن أسلوبه النثري هنا قد أثَّر تأثيراً كبيراً في مشاعر كل النساء وكثير من الرجال. لم يشهد النثر الفرنسي منذ روسو أو بيرناردين دي سانت بيير Bernardin de Saint-Pierre مثل هذا البهاء والخصوبة، ولم تقدّم الطبيعة بهذا الإشراق، ولم يُظهر أحد الحضارة بهذا السخف. إن كل ما تنتظره الحركة الرومانسية هو أن تقدم بشكل مقنع الهنود الحمر (الهنود الأمريكيين) كسادة يتجولون في الفردوس يتربعون على عروش الحكمة، وأن تقدم بشكل مقنع الدين كأساس للأخلاق والفنون والخلاص Salvation. وسرعان ما قدَّم شاتوبريان مثلاً على هذا في قصته أتالا Atala ورينيه Rene، وقدّم مثالا ثالثا في كتابه عبقرية المسيحية The Genus of Christianity.
لقد تجوّل مكتشف الشاعر راكباً خلال ولاية نيويورك واستقبله بعض الأونونداجا Onondaga الهنود وأكرموه ونام بشكل بدائي على الثرى (الأرض الأم) بالقرب من نياجارا Niagara وسمع الأصوات المكبوتة لخرير مياه الشلالات. وفي اليوم التالي جلس بشكل تلقائي على شاطئ النهر الذي يُسرع في جريانه ليصل إلى مصبّه. "لكم تُقتُ لإلقاء نفسي فيه" ولأنه كان شغوفاً لرؤية الشلالات من أدنى فقد هبط المنحدر الصخري فزلَّت قدمه وكُسِر ذراعه، ورفعه الهنود (الحمر) إلى حيث الموضع الآمن. وتخلّى عن حلمه بالاتجاه نحو الشمال الغربي فاتجه جنوباً ووصل إلى الأوهايو Ohio.
وعند هذه النقطة تصبح روايته للوقائع والمشاهد مُلتبسةً مشكوكاً فيها. إنه يخبرنا أنه تابع الأوهايو إلى المسيسبِّي