فقدنا لتوّنا أفضل الأمهات .. لو عرفتَ كثرة الدموع التي ذرفتها أُمُّنا العزيزة بسبب أخطائك، وكم هي هذه الأخطاء الباعثة على الأسى تبدو للجميع واضحة سواء من منظور التقوى والتدين أو العقل. أما وقد عرفت هذا فافتح عينيك وتخلّ عن الكتابة، وإذا استجاب الله لدعائنا واجتمعنا ثانية فستجد بيننا كل السعادة التي يمكن أن تكون على ظهر هذه الأرض".
وعندما تلقى شاتوبريان هذا الخطاب، كان معه خطاب آخر يفيد أن أخته جولي هذه قد ماتت أيضاً. وفي مقدمة كتابه عبقرية المسيحية La Genie du Christianisme عزا إلى هذين الخطابين تحوله الكامل الذي ظهر في كتابه هذا الآنف ذكره.
"إن هذين الصوتين المنبعثين من القبر (صوت أمه وصوت أخته) كانا يطنّان في أذنيَّ، فأصبحت مسيحياً .. بكيتُ وآمنت، فقد فسّر لي موتهما ما يعنيه الموت".
إن مثل هذا التغير المفاجئ والمبهر (الدرامي) يُغري بالتشكك، لكنه لم يكن تشككاً بمعناه الحرفي، وربما أرجع شاتوبريان - الذي لم ينفصل الفيلسوف في شخصه أبداً عن الشاعر - للحظة واحدة، عملية تحوّله من عدم الإيمان إلى الإيمان (بالمسيحية) التي رآها أولاً جميلة ثم رآها مفيدة خيِّرة، ثم - أخيراً - اعتقد أنها - أي المسيحية - رغم أخطائها - تستحق التعاطف معها على المستوى الشخصي كما تستحق دعمها على المستوى العام (بين الناس)، لقد تأثر في الأعوام الأخيرة من القرن الثامن عشر بخطابات وصلته من صديقه لويس دي فونتين de Fontanes يصف فيها التفسخ الأخلاقي والانحلال الخلقي الذي حاق بفرنسا، ورغبة الناس المتزايدة في العودة إلى كنائسهم وقُسسهم. وخَلُص فونتين إلى أن هذا التوق الشديد سيجبر الدولة في وقت قريب جداً على العودة للعبادة الكاثوليكية.
وقرر شاتوبريان أن يكون هو الصوت المعبّر عن هذه الحركة (حركة العودة للكاثوليكية) فكتب دفاعاً عن المسيحية ليس من خلال المفاهيم العلمية والفلسفية وإنما من خلال الأخلاق والأدب والفن. لا جُناح إن كانت هذه القصص الفاتنة التي قصّوها علينا في شبابنا خرافات أكثر من كونها تاريخاً حقيقياً. إنها أبهجتنا وأوحت لنا بالكثير، وجعلتنا إلى حد