جالسات وراء "شيش" نوافذهن، فاخرات الثياب بيضاوات بما وضعته على أجسادهن من مساحيق، مستعدات للغناء والرقص والدعارة لمن ليس له امرأة عشيرة من الرجال، أو لمن ساءت عشيرته منهم (٨٣).
وأعلى هؤلاء الزانيات ثقافة هن فتيات "الجيشا" الذي يدل اسمهن هذا على أنهن بارعات في فنهن (فكلمة جيشا مكونة من مقطعين: "جي" ومعناها بارع في الأداء الفني، و "شا" ومعناها شخص) وهن شبيهات بطائفة "الغواني" في اليونان، في أنهن قد أثرن في الأدب كما أثرن في عالم الحب، ومزجن فوضاهن الخلقية بالشعر، لكن حدث أن أمر الحاكم العسكري "أيناري"(١٧٨٧ - ١٨٣٦) عام ١٧٩١ بتحريم الاستحمام الذي يخلط الجنسين معاً، لأنه أحياناً يؤدي إلى الخروج على قواعد الأخلاق (٨٤)، ثم أصدر أمراً شديداً سنة ١٨٢٢ يقاوم به فتيات "الجيشا"، وقد وصف الواحدة منهن بأنها "مغنية تلبس فاخر الثياب، وتعرض نفسها مأجورة لتسلية رواد المطاعم، بالرقص والغناء في ظاهر الأمر، لكنها في الحقيقة تمارس شيئاً يختلف عن هذين كل الاختلاف (٨٥)؛ ومنذ ذلك التاريخ عُدّ هؤلاء النساء بين "الزانيات اللاتي لا يقعن تحت الحصر" بحيث كن في عهد "كيمفر" يملأن حوانيت الشاي في القرى، كما يملأن الفنادق أينما وجدتها على طول الطريق (٨٦)؛ ومع ذلك فقد لبثت الحفلات والعائلات تدعو فتيات "الجيشا" ليقمن بالتسلية في الاجتماعات؛ وفتحت مدارس تتلقى فيها فتيات "الجيشا" الناشئات على أيدي "الجيشا" القديمات مختلف أوضاع الفن؛ وكان يحدث أحياناً أن يجتمع المعلمات والمتعلمات معاً في حفلات الشاي، ليقمن بعرض الجانب المحتشم من ألوان ما يعرفونه من فنون؛ والآباء الذين يتعذر عليهم أحياناً أن يعولوا بناتهم، كانوا يوافقون بمحض اختيارهم على تدريب بناتهم في فنون "الجيشا" لعل ذلك يكون مورد كسب لهن؛ وما أكثر القصص اليابانية التي تروي عن بنات أسلمن أنفسهن لهذه الحرفة إنقاذاً لأسراتهن من أنياب الجوع (٨٧).