وعند عودة نابليون من تيلسيت أمر تاسيتوس (المقصود بالطبع شاتوبريان) بمغادرة باريس وتم تحذير صحيفة الميركيور من نشر مقالات أخرى له، وأصبح شاتوبريان مدافعاً متحمساً عن حرية الصحافة. وعاد إلى عقار كان قد اشتراه في وادي لوب Vallee-aux Loups في شاتيني Chatenay وعكف على إعداد كتابه عن الشهداء للنشر، وشَطَبَ من مخطوطة الكتاب الفقرات التي قد تُفسَّر على أنها تحط من قدر نابليون. وفي سنة ١٨٠٩ ثم القبض على أخيه أمان Armand لنقله رسائل من أمراء البوربون خارج فرنسا لأعوانهم في الداخل. وكتب شاتوبريان إلى نابليون طالباً الرحمة لأخيه، ووجد نابليون أن الخطاب ينم عند اعتداد شديد بالنفس فألقاه في النار، وحُوكم أمان وأُدين وأُعدم بإطلاق النار عليه في ٣١ مارس. ووصل شاتوبريان بعد لحظات قليلة من إعدامه، ولم ينس أبداً المشهد: أمان الميت وقد مزَّقت الرصاصات جمجمته ووجهه "وكلب الجزار يلعق دمه ومخه". لقد كان هذا هو يوم الجمعة الحزينة Good Friday في سنة ١٨٠٩.
ودفن شاتوبريان أحزانه بانعزاله والإعداد لكتابه "مذكرات من القبر Memoires d'outre-tombe"، وقد بدأ في كتابة مذكراته هذه في سنة ١٨١١، وكان يكتب هذا العمل بشكل متقطع ليأنس إلى نفسه ويستريح من عناء الرحلة والسياسة، وكتب آخر صفحة منها سنة ١٨١٤ ومنع نشرها إلا بعد موته ليصبح عنوانها مذكرات القبر. لقد كانت مذكرات جسورة الفكر، طفولية المشاعر، رائعة الأسلوب. وهنا - على سبيل المثال - نجد إسراع حشود من عينهم نابليون إلى لويس الثامن عشر ليُقسموا يمين الولاء الأبدي له، بعد سقوط نابليون "دخلت الرذيلة مستندة إلى ذراع الجريمة - السيد تاليران يسير مستنداً إلى السيد فوشيه "، إننا نجد هنا في هذه الصفحات المكتوبة برويّة وصفاً للطبيعة البشرية يضارع ما هو مكتوب في قصَّته "أتالا Atala" وقصة "رينيه Rene"، نجد فيها أحداثاً زاخرة كأحداث حرق موسكو. إنها صفحات عامرة بوصف المشاعر:
"الأرض أمنا الحنون. لقد أتينا من رَحِمها. في طفولتنا ضمتَّنا إلى صدرها الذي يفيض لبناً وعسلا، وفي شبابنا ورجولتنا أفاضت علينا بالماء البارد والمحاصيل والفاكهة … وعندما نموت تفتح صدرها لنا مرة أخرى وتُلقي علينا غطاء من حشائش وورود، بينما هي تحول