يدفن في أرض تقدست بفضل ما فيها من عظيم "كوبودايشي"- ذلك العظيم في علمه وفي تدينه وفي فنه، وهو الذي أسس في القرن التاسع مذهب "شنجون" أي مذهب "الكلمة الصادقة".
وعلى وجه الجملة فالبوذية اليابانية هي من أمتع ما اعتقدت فيه الإنسانية من أساطير، ولقد غزت اليابان مسُالمةً، ولم يتعذر عليها وأن تخلي من نفسها مكاناً في لاهوتها وفي عداد آلهتها لمذاهب "شنتو" ولآلهتها، فاندمج بوذا عندهم بـ "أماتيراسو" وخصص مكان متواضع في المعابد البوذية لضريح "شنتو" وكان الكهنة البوذيين الذين ظهروا في القرون الأولى رجالاً فيهم الولاء وفيهم العلم وفيهم الرحمة، وكان لهم أثر عميق في تقدم الآداب والفنون في اليابان، حتى لقد كان بعضهم رسامين أو نحاتين من الطراز الأول، كما كان بعضهم علماء، أخذوا على أنفسهم ترجمة الأدب البوذي والصيني، فكانت ترجماتهم تلك حافزاً قوياً على التقدم الثقافي في اليابان، على أن هذا النجاح كان سبباً في إفساد الكهنة في العصور المتأخرة، إذ أصبح منهم كثيرون أميل إلى الكسل والجشع (لاحظ في هذا الصدد الصور الرمزية التي كثيراً ما يصورهم بها اليابانيون الذين يحترفون مهنة النقش على العاج أو الخشب)؛ وبَعُدَ بعض أولئك الكهنة عن بوذا بعداً فسيحاً بحيث راحوا ينظمون لأنفسهم جيوشاً ينشئون بها سلطة سياسية أو يحافظون بها على مثل هذه السلطة السياسية إن كانت قائمة (٩٣)؛ ولما كان الكهنة يهيئون للناس ضرورة هي أولى ضرورات الحياة- وأعني بها تهيئة الأمل الذي يسّري عن النفوس. فقد ازدهرت صناعتهم حتى في الوقت الذي تدهورت فيه صناعات الآخرين؛ وأخذت ثروتهم تزداد قرناً بعد قرن، بينما لبث الشعب فقيراً على حاله (٩٤)؛ وقد أكد الكهنة للعباد المؤمنين بأن الرجل في سن الأربعين يمكنه أن يشتري عقداً آخر من السنين يضيفه إلى حياته إذا هو دفع رسوماً لأربعين معبداً تدعو له بذلك، ويمكن للرجل في سن الخمسين أن يشتري عشر سنين أخرى إذا دفع الرسوم لخمسين