تستطيعوا فرض الظلمة عليه … أعيدوا للبشر حقوقهم واقتنعوا بإصلاح ما أفسدتموه قبل أن يلحقكم الدمار وما تأفكون (٣) ".
وكان هذا أكثر مما يستطيع إدموند بورك Burke تحمله فلم يعد هو الخطيب المفوه المدافع عن قضية المستعمرات الأمريكية (المقصود المستعمرات البريطانية والفرنسية في أمريكا) أمام البرلمان. لقد بلغ الستين من عمره الآن، وكان قد لزم داره ومزرعته واستعاد إيمانه الديني الذي كان عليه في شبابه. وفي ٩ فبراير سنة ١٧٩٠ بدأ - في مجلس العموم مناقشات أنهت صداقته القديمة مع شارلز جيمس فوكس:(إن الخطر الحالي الذي يواجهنا هو الفوضوية أو انعدام الحكومة وما يتبع ذلك من فوضى سياسية واجتماعية. هذا الخطر الناتج عن الإعجاب بما حققه العنف من نجاح وما حققه الخداع من مكانة. إنه إعجاب بالديموقرطية المسفة الطاغية حيث يغيب العقل وتضيع المبادئ ويكون النفي والإبعاد وإهدار الدم ومصادرة الممتلكات والسلب والنهب والقسوة والدموية. فإلي جوار الدين لا يأتينا الخطر من التسامح وإنما من الإلحاد الذي يبدو واضحا في فرنسا لمدة طويلة كامنا في كل نزاع وواضحا ويكاد يكون معلنا مع أن الإلحاد غباء ورذيلة لا تقرها الطبيعة وعداء لكل وقار البشر واتحادهم (٤)) وفي نوفمبر ١٧٩٠ أصدر بورك كتابه (تأملات في الثورة الفرنسية) الذي جعله على شكل خطاب إلى رجل مهذب في باريس، وقد استغرق هذا الخطاب (الكتاب) ٣٦٥ صفحة. لقد أدان الدكتور بريس Price) وجمعية إحياء ذكرى الثورة): لقد كان من رأيه أن ينشغل رجال الدين بعملهم وهو الدعوة للفضائل المسيحية ولا دخل لهم بالإصلاحات السياسية، فهذه الفضائل تتغلغل في لب الأمور - ميل الطبيعة البشرية للشر، أما الإصلاح فلا يغير سوى الأشكال السطحية للشر فلا سبيل للسياسة لتغيير طبيعة البشر. فحق الاقتراع للجميع تضليل واحتيال يستخدم فيهما الخداع: فإحصاء الأنوف noses لن يؤثر في توزيع السلطة واتخاذ القرارات والنظام الاجتماعي شيء لابد منه لضمان أمن الفرد، وهذا النظام يصبح لا بقاء له إذا أصبح كل فرد حرا في التمرد ضد القانون الذي لا يعجبه. فالأرستقراطية لا بد منها لأن وجود الأرستقراطية يتيح للأمة حكاما مدربين ذوي عقول صالحة. والملكية (بفتح الميم واللام) مطلوبة فهي نظام طيب لأنها تعين في الظروف