للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفاته. إنها وثيقة لا يمكن فهمها إلا من خلال مواجهة صريحة مع شخصيته. لقد كان يتمتع بكثير من الصفات الطيبة في شبابه، روح مرحة، ميل للفكاهة، إخلاص في الدراسة، استعداد لتقديم العون للمحتاج، وظل كثيرون من أصدقائه في بون - مثل مدرسة كريستيان جوتلوب نيف Christian Gottlob Neefe وتلميذته إليونور فون بروننج Eleonore von Breuning وراعيه الكونت فون فالدشتين Count von Waldstein - أوفياء له رغم أن نظرته للحياة راحت - بشكل متزايد - تتسم بالمرارة. وعلى أية حال فقد راح يفقد صديقا إثر صديق في فيينا حتى كاد يصبح وحيدا لكن أصدقاءه عندما علموا أنه على وشك الموت عادوا إليه وبذلوا كل ما في طاقتهم لتخفيف آلامه.

لقد تركت بيئته الباكرة فيه آثارا دائمة لا تمحى، فهو لم ينس أبدا الفقر المدقع والمقلق (ولم يغفر ذلك لبيئته ولم يكن متسامحاً إزاء هذه الظروف) ولم ينس الهوان لرؤية والده وهو يستسلم للفشل والخمر. بل إنه هو نفسه (بيتهوفن) بعد أن أتعسته الأيام راح يستسلم أكثر فأكثر لمعاقرة النبيذ طلبا للنسيان. ويدعو تمثاله المقام في فيينا (خمس أقدام وخمس بوصات) للتأمل، ولم يكن وجهه ينم عن حظ حسن أو ثراء، وكان شعره كثا مهوشا خشنا. وكانت لحيته تنتشر حتى قرب عينيه الغائرتين، وكان يتركها لتنمو فتصل إلى نصف بوصة قبل أن يحلقها.

لقد جأر بالشكوى في سنة ١٨١٩: "آه يا ربي، يا لها من مصيبة (طاعون) أن يكون لشخص مثل هذا الوجه المهلك كوجهي وربما كانت هذه العيوب الخِلقية حافزاً على الإنجاز". لكنها بعد الأعوام القليلة الأولى في فيينا جعلته يهمل ثيابه وبدنه (صحته) ومسكنه وعاداته. لقد كتب في ٢٢ أبريل سنة ١٨٠١: "إنني رفيق مُهمَل، وربما كان الملمح الوحيد لعبقريتي أن أشيائي ليست دائما في ترتيب جيد". وكان يكسب أموالا تتيح له أن يكون له خدم لكنه كان سرعان ما يتعارك معهم وقلما احتفظ بهم لفترة طويلة. لقد كان فظا مع من هم أدنى منه، وكان في بعض الأحيان ذليلا خانعا لمن كانوا نبلاء المحتد، لكنه كان غالبا