الخلق، فأصبح الناس الآن أقل خضوعا للظروف التي أملاها عليهم مولدهم وانتماؤهم الطبقي، وتحررت الموهبة ففتحت لها الأبواب للتطور والإبداع بصرف النظر عن ظروف الميلاد، وإلا أن التقدم على أية حال يمكن أن يكلف أوربا غاليا، وكان هيردر سعيدا لأن هذه التجربة جرت في فرنسا وليس في ألمانيا الحبيبة إلى قلبه حيث لا يسارع الناس إلى التدمير والإحراق، وإنما هم عمال هادئون يعملون بدأب وعلماء صبورون يمكنهم أن يقودوا الشباب النامي باعتدال وحكمة وثبات، وينشرون بينهم الضياء (التنوير).
وكان فريدريش شيلر Friedrich Schiller - الروح الرومانسي الذي حرسه بشغف الثلاثة الكلاسيكيون - قد أتى إلى فيمار (١٧٩٥) بعد مغامرات شائقة في الدراما والشعر والتاريخ والفلسفة. وكان خياليا رومانسيا وحسّاساً بدرجة شديدة فلم يجد إلا القليل يحبه في مرتع شبابه فيرتمبرج Wurttemberg. وقد رد على الظلم والاضطهاد بتوقيره روسو إلى حد العبادة، وبكتابة مسرحية ثورية. لقد أدان كارل مور Karl Moor بطل مسرحيته اللص Die Rauber (١٧٨١) استغلال الإنسان للإنسان فلم يترك شيئا لكارل ماركس غير أن هذا الأخير صاغ الأفكار نفسها بشكل ذي طابع أكاديمي.
وتظل مسرحية شيلر الثالثة (كابال والحب Kabale und Liebe (١٧٨٤) هي الأكثر ثورية، فقد امتدح فيها استقامة البورجوازية الألمانية وصبر ها وحياتها المنتجة وكشف الغش والخداع والرشوة والغلو (التبذير) والمزايا التي يحصل عليها من لا ينتجون. وفي أفضل مسرحياته التي كتبها شيلر قبل الثورة وهي مسرحية دون كارلوس (١٧٨٧) وكان وقتها في الثامنة والعشرين من عمره، نجده أكثر حرصا على عدم إغضاب نبلاء السلطة منه على عدم إغضاب الفقراء. لقد وضع على لسان الماركيز بوزا Posa عبارة مفادها أن "فيليب الثاني هو أبو الشعب" الذي "يترك السعادة تنساب من مجدك" و"لتدع العقول تنضج (وتثمر) في أرجاء مملكتك الواسعة، لتكون أنت بين آلاف الملوك، ملكاً حقا ".
وعندما انتقل شيلر من مرحلة الشباب إلى مرحلة منتصف العمر انتقل بشكل طبيعي من الراديكالية إلى الليبرالية. لقد اكتشف بلاد الإغريق القديمة وتعمق بدراسة مسرحييها (مؤلفي المسرح فيها). وقرأ كانط وأشاع الغموض في شعره بمزجه بالفلسفة. وفي سنة