مناطقهم من صناديق (يسمون الواحد منها "إنْروُ") تدلت من أوساطهم بخيط سميك، وكان الصندوق منها يتألف عادة من عيون نقشت في العاج أو الخشب نقشاً دقيقاً، يضعون فيها التبغ والنقود وأدوات الكتابة وغير ذلك مما يلزم استعماله أحياناً؛ ولكي يمتنع سقوط الخيط منزلقاً تحت المنطقة، كانوا يربطونه في الجانب الآخر من المنطقة بوصلة صغيرة يسمونها "نتسوكا" (وهي كلمة مكونة من جزئين: "ني" ومعناها طرف، و "تسوكا" ومعناها يربط) وكانت تلك الوصلة تعهد إلى فنان يرسم على سطحها المتغضن رسماً مسرفاً في الرقة والنفاسة، رسماً لآلهة أو شياطين أو فلاسفة أو حور أو طيور أو زواحف أو سمك أو حشر أو زهر أو أوراق شجر أو مناظر من حياة الناس؛ وهاهنا وجدت روح الفكاهة الشيطانية التي يتفوق فيها الفن الياباني على سائر الفنون تفوقاً فسيحاً، وجدت متنفساً طليقاً، وإن يكن متواضعاً، فلن يتكشف لك ما في هذه التحف الفنية من لطف بالغ ودلالة كبرى، إلا بعد فحص دقيق لها، غير أن لمحة سريعة تنظر بها إلى صورة مصغرة لامرأة بدينة أو كاهن سمين أو قرد خفيف الحركات أو حشرات لطيفة، مما كانوا ينقشونه على مساحة لا تبلغ بوصة واحدة مكعبة من العاج أو الخشب، لتكفيك للتأكد مما كان للشعب الياباني من خصال فنية فذة تنبض بحرارة العاطفة (١).
وكان أشهر من حفر الخشب من اليابانيين هو "هيداري جنجارو"(هيداري معناها مبتور اليد اليسرى)، فتنبئنا الأساطير كيف فقد ذراعاً وكسب إسماً؛ وذلك أن ظافراً في القتال طالب مولى "جنجارو" بحياة ابنته، فنحت "جنجاروا" رأساً مبتوراً يمثل رأس ابنة مولاه تمثيلاً بلغ من الصدق حداً جعل ذلك الظافر يأمر ببتر الذراع اليسرى لهذا الفنان عقاباً له على قتل
(١) مؤلف هذا الكتاب مدين لمستر "أدولف كروش" في شيكاغو بالإذن له بفحص مجموعته الجميلة من هذه التحف: "النتسو كا" و"الإنرو".