للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوعي. وهكذا بدأ فيشته بالوعي نفسه - الأنا (The Ego أو Ich أو I) . لقد تعرف العالم الخارج عن الأنا، لكن كان تعرفه من خلال ما نعرفه (نحن) عنه عن طريق إدراكنا الحسي.

هذا - من خلال عمليات إعداد عقلية - يحول الأشياء إلى جزء من العقل (إنه تفسير الحواس من خلال الذاكرة أو الغرض (أو الهوى أو الهدف Purpose)

" وعلى هذا فالكلمة بمعناها الصحيح (الموضوعي) تختلف تماما عن الكلمة كما تفسرها الخبرة والسياق والغرض. وعلى هذا فالعاصفة (مثلا) التي هي من الناحية الحسية مجرد فوضى لا معنى لها تراها (وتحس بها) حواس مختلفة تصبح في الإدراك - من خلال الذاكرة والظروف والرغبة - مثيرة لفعل عامر بالمعاني"

وانتهى فيشته إلى أننا يجب أن نفترض أن (الأشياء خارج الذات) أو (اللا أنا non - Ego) هي سبب لإحساسنا بما هو خارج الذات، لكن هذه الأشياء الواقعة خارج الذات لا تفسرها إلا الحواس والذاكرة والإرادة، وبالتالي فهي من مكونات العقل.

وانطلاقا من وجهة النظر هذه فإن (الموضوع) والمادة Object هي جزء من الأنا، ولا يمكن أن نعرف أي شيء خارج الأنا Ego. تلك هي فلسفة فيشته إلا جانبا واحدا. فوراء النفس المدركة هناك النفس الراغبة (ذات الرغبة) والمريدة (ذات الإرادة) فالأنا (الإيجو Ego) هي نظام للدوافع أو البواعث أو المثيرات فكل النظام الذي تتشكل منه أفكارنا يعتمد على دوافعنا وإرادتنا (هنا نجد فيشته يتفق مع سبينوزا Spinoza في قوله إن الرغبة هي الجوهر الصميم للإنسان) كما أن أفكاره هذه تفضي إلى فكرة شوبنهاور Schopenhauer عن (الكون كإرادة will وفكرة idea) .

والإرادة الطائشة ليست جزءا من الكون (العالم) الموضوعي الذي يبدو خاضعا (أو عبدا) لجبرية تلقائية. من هنا فالإرادة حرة. فالحرية هي جوهر الإنسان لأنها تجعله كائنا مسئولا أخلاقيا، قادرا على الالتزام - بشكل حر - بالقانون الأخلاقي. وكلما مضت الأيام بفيشته طوّر إعجاب كانط بالنظام الفلكي والأخلاقي في لاهوت جديد يفترض قانونا أخلاقيا يحكم الكون ويدعمه كما يحكم شخصية الإنسان ومجتمعاته ويحميهما.

وأخيرا فقد جعل النظام الأخلاقي للكون (بالمعنى السابق) بمعنى قيام كل