للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١/ ٣ - الوطني

راح فيشته كل يوم أحد من ١٣ ديسمبر ١٨٠٧ إلى ٢٠ مارس ١٨٠٨ يلقي في مدرج مسرح أكاديمية برلين سلسلة محاضرات تم نشرها بعد ذلك بعنوان خطابات إلى الأمة الألمانية Reden an die deutsche Nation. لقد كانت دعوة عاطفية مفعمة حماسا لشعبه كي يستعيد احترامه لذاته وشجاعته وأن يتخذ الإجراءات للخروج من العزلة التي فرضها عليهم وهم حاملو السيوف من الطبقة العسكرية البروسية، والخروج من اتفاقية سلام تلسيت Tilsit غير الإنسانية، والخروج من التمزق وتقطيع أوصال البلاد (المملكة البروسية) الذي فرضه الكورسيكي Corsican (نابليون) المنتصر.

وفي هذه الأثناء كان العسكر الفرنسيون يقومون بدور البوليس في المدينة المغتصبة، وكان الجواسيس الفرنسيون يرصدون كل حديث. وتعتبر (خطابات إلى الأمة الألمانية) هي الأكثر حيوية في كل ما تركه فيشته، ولا زالت دافئة بمشاعر الفيلسوف الذي تحول إلى الاهتمام بأمور الوطن. لقد نحى جانبا الجوانب الفكرية للمنطق النظري وواجه الحقائق الأكثر مرارة في أسود أعوام بروسيا. ولم يوجه حديثه لبروسيا وحدها وإنما لكل الألمان الذين كانوا يحتاجون لهذا المثير نفسه ويتحدثون اللغة نفسها رغم انقسامهم في ظل إمارات متناثرة.

لقد عمل على تقريبهم في شكل من أشكال الوحدة بتذكيرهم بتاريخ ألمانيا وانتصاراتها المشهورة وإنجازاتها في مجالات الحكم والدين والأدب والفن وبرفضه المادية materialism التي تدفع لفقدان الأمل والتي وجدها - كما زعم - في الحياة الإنجليزية والنظريات الإنجليزية، وبرفضه التخلي عن الدين تماما كما في حركة التنوير الفرنسية وفي الثورة الفرنسية ذاتها.

لقد راح يتحدث مفتخرا ذاكرا الأدلة من المدن التجارية في ألمانيا الأقدم - نورمبرج Nuremberg ومنها البريخت (البريشت دورر Albrecht Durer، وأوجسبورج Augsburg ومنها الفوجر Fuggers ومواطنو العصبة الهانستية Hanseatic League الذين جابوا الكرة الأرضية. فالقصور الحالي - كما يخاطب فيشته طبقته وبلاده - يجب النظر إليه من منظور الماضي المتألق، ولا يمكن أن يستمر حبس أمة بواسطة أمة أخرى، فالأمة الألمانية لديها من الأنفس والعقول والإرادة ما يمكنها من الخروج من تدنيها الحالي.